• لابد أنَّ إخوانَنا في قِوى الحرية والتغيير، وفي تجمع المهنيين تحديداً، يعلمون أن التفويض الذي ما تزال تمنحهم له الجماهير المعتصمة أمام بوابة القيادة العامة هو تفويضٌ يحمل في ثناياه، كذلك، تقديراً لقواتها المسلحة في ذات الوقت..
كما لابد أنهم يعلمون، أن هذه الجماهير تعتبر أن قواتها المسلحة هي مشاركٌ أصيلٌ في هذه الثورة المباركة، وأنه، ولولا إنحيازها -بغض النظر عن كيفية وتوقيت هذا الإنحياز- إلى جانب أبناء شعبِها من الثوار، لما نجحت هذه الثورة الباسلة في إقتلاع الطغيان، ولكان ثمن إنجاحها، أو إفشالها، مأساوياً بأكثر مما هو الآن..وتتبدى مظاهر هذا الإقرار (بالفضل الجميل) في هذا العناق اليومي، والمودة السائدة بين القوات المسلحة وشباب الإعتصام في كل لحظة أمام القيادة العامة..
إذن، فإنَّ الفشل المستمر، في التوصل إلى صيغةٍ معقولة للحُكم تُرضي الطرفين، هو فشلٌ للطرفين كليهما، وهو فشلٌ لرجاءات، وآمال هذه الجماهير في الطرفين معاً، وفي ثورتها !!
نعم، لقد كانت هذه الثورة ثورةً مثاليةً إلى أقصى درجات المثالية، ولكن ليس السودان دولةً مثالية، ولا ظروفه الإقليمية، والدولية الراهنة مثالية..ولا متوقعاً لها أن تكون كذلك.. وعليه، فإن التمسُّك بحلولٍ مثالية، دون تقديم تنازلات من الطرفين، في أزمة الحُكم الراهنة ليس عقلانياً البتة، على الأقل في الفترة الإنتقالية..
يُمكننا أن نقول بكل أسف إنَّ إخواننا في قِوى الحرية والتغيير، وفي تجمع المهنيين، لم يديروا جولات التفاوض مع المجلس العسكري بالكفاءة اللازمة، وكانوا أقرب للفوضى.. والسبب أن شباب تجمع المهنيين، وبحكم مهَنِهم، وهم يتقدمون قوى الحرية والتغيير، ليس عندهم من الدُربةِ، والمران الكافيين، مما يتطلبه (فنُّ التفاوض)..
ربما أنَّ إخواننا في المجلس العسكري، هم كذلك، ليسوا بالدُّربة الكافية، فأصبحت المفاوضات، من ثمَّ، بين الطرفين جولاتٍ من التشاكس، والملاواة، (وقُوَّة الرأس)، والفشل !!
المفاوضات السياسية يا سادة، هي مِراسٌ ومهارةٌ، ودُربة، تختلف عن مهارات حشد الجماهير، وجعلها تلتف حول أهدافٍ مطلبيةٍ معينة، مما نجح فيه تجمع المهنيين نجاحاً باهراً، وهي تختلف كذلك، عن مفاوضات الجيوش لفكِّ إشتباكٍ، أو لإحلال وقف النار بين جانبين متصارعين مما يعرفُه القادةُ العسكريون..
مما نشاهد، ونسمع، على الأقل الآن، فإنَّ للمجلس العسكري لجنةً سياسية، لها أن تستعين بمن تشاء من السياسيين، لقيادة الحوارات مع الجهات السياسية المختلفة، ومع قوى الحرية والتغيير في مفاوضات الحُكم الراهنة، ولكننا لا نري لقوى الحرية والتغيير أية جهة مساندة ومماثلة، تدعمهم بالرؤى، وبالمقاربات السياسية بدلاً من هذه (المعافرات، والمجابدات) التي كادت أن تُفقِد الجماهير صبرَها، وثقتَها، وأحلامَها في غدٍ أجمل بعد سقوطِ طغيان الإنقاذ..
إنَّ أيَّ إبطاء أكثرَ مما حدث، في التوصل إلي تكوين حكومةٍ كفؤة، وبسرعة، لتدير شأن البلاد، هو زمنٌ متاح لقوى مضادة، تتجمع، وتتحفَّز، وتتآمر الآن، للإجهاز على هذه الثورة..ومسؤولية إفشال الثورة المضادة تقع الآن، على قوى الحرية والتغيير، وعلى رأسها تجمع المهنيين، وعلى المجلس العسكري بحدٍّ سواء..وإذا حدث هذا الإجهاض -لا سمح الله- فسيكونون جميعاً مسؤولين عنه أمام التاريخ، وأمام الجماهير التي إئتمنتهم على مصيرها، وبشيك على بياض، فأرجوكم لا تُشمِتوا بنا الأعداء !!..