أسماء الحسيني- الاتحاد الإماراتية- رصد التحرير:
فتحي الضو صحفي سوداني مخضرم لعب دوراً كبيراً في فضح نظام «الجبهة الإسلامية» في السودان عبر مقالاته وكتبه الكثيرة التي لقيت رواجاً كبيراً، وأصبحت الأكثر مبيعاً سودانياً، ومن أهم هذه الكتب الخندق و«بيت العنكبوت» و«الطاعون»، وكلها قدمت بالبراهين والوثائق التي حصل عليها من عقر دار نظام الرئيس المعزول عمر البشير، الأدلة الكاملة على فساد وجرائم وتناقضات هذا النظام.
«الاتحاد» التقت فتحي الضو الذي يشغل الآن رئيس اتحاد الصحفيين السودانيين بالولايات المتحدة، وسألته: ما الذي قادك إلى هذا الطريق؟ قال: عندما بدأت ممارسة الصحافة مطلع ثمانينيات القرن الماضي اكتشفت أن لدي ولعاً خاصاً بالصحافة الاستقصائية. واستطرد قائلاً عن علاقة ذلك بالقضية السودانية: «هي قضيتي، وتستحق أن أقدم من أجلها عمري، وإدراكاً مني أن أحد أسباب عدم الاستقرار السياسي في السودان هو (الذاكرة الغربالية) أي الذاكرة التي تسرب الأحداث الجسام من خلال ثقوبها. ولهذا وجدت أن التوثيق يعد ترياقاً لها».
وأضاف: «أصدرت في هذا المجال ثلاثة كتب، هي كتاب الخندق- أسرار دولة الفساد والاستبداد، ثم كتاب بيت العنكبوت- أسرار الجهاز السري للحركة الإسلامية السودانية، وأخيراً كتاب الطاعون- اختراق دولة جهاز المخابرات في السودان. ويعود اهتمامي بالتوثيق الأمني، بسبب أن الأنظمة الديكتاتورية تهتم بالأمن لتأمين سلطتها. وكان النظام المخلوع في السودان، مثالاً ساطعاً في هذا المضمار، حيث ظل يخصص على مدى ثلاثين عاماً 70% من ميزانية الدولة للأمن والدفاع، في حين كان يخصص فقط 10,4% للصحة والتعليم».
وحول تأثير كتاباته قال: «أفتخر أن كان لكتبي دوراً كبيراً في خلخلة الأجهزة الأمنية للنظام وكشف الفساد، بحسب رصد المراقبين والقراء. وأقول الأجهزة نسبة لأن النظام المخلوع كان له ولع غريب بالأجهزة الأمنية وليس جهازاً أمنياً واحداً، فكتاب (العنكبوت) مثلاً اختص بجهاز ما يسمى (الأمن الشعبي) وهو الجهاز السري الخاص بالحركة الإسلامية، والحركة الإسلامية كما هو معلوم، هي التنظيم الذي ظل يحكم من وراء حجاب، وأسعدني أكثر أنني استطعت بواسطة مصادري النفاذ إلى داخل منظومة هذا الجهاز، وكشف ممارساته بما في ذلك جرائم القتل التي قام بها في السنوات الماضية، والكثير من المعلومات التي أحدثت ضجة وما تزال تعود لطبيعة هذا الجهاز «العنكبوتي» كما سميته.
وأضاف الضو: «خصصت كتاب «الطاعون» لجهاز الأمن والمخابرات الوطني، والذي كان يرأسه صلاح عبدالله (قوش)، وكشفت فيه أسراراً زلزلت الأرض تحت أقدامهم. مثل نشر أسماء أكثر من 700 ضابط أمن، ابتداءً من رتبة ملازم وحتى رتبة فريق، وتعد تلك فضيحة كبرى لجهاز عتيد، إلى جانب نشر محاضر اجتماعات سرية بين الجهاز ووكالة الاستخبارات الأميركية «سي آي أيه»، وأسراراً أخرى عديدة، وقد كشفت أن هذا الجهاز بالرغم من الميزانية الضخمة التي خصصت له، إلا أنه عبارة عن نمر من ورق».
وعن كتابه «الخندق» أوضح قائلاً: «كشفت فيه أسرار جهاز الأمن والمخابرات السوداني، ولعل أهمها هو معلومات جديدة عن محاولة النظام اغتيال الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا عام 1995، وكان عرابها علي عثمان طه نائب البشير السابق وبعض الكوادر النافذة حينذاك في السلطة. وكذلك كشف الكتاب معلومات أكثر عن المحكمة الجنائية، وهي التي ظل يهابها البشير طيلة وجوده على سدة السلطة».
وعن مصادره قال: إنها من داخل الأجهزة الأمنية، ومن المؤكد أنه كان لها دوافع مختلفة. ورداً على سؤال حول المشاكل التي تعرض لها بسبب هذا الطريق قال الضو: «ليس هناك أسوأ من أن تكون محروماً من وطنك، ومحروماً من الكتابة فيه، وأن تكون كتبك ممنوعة، وأن يرعبك النظام برسائل وطرق مختلفة لقطع الطريق، بل وأحياناً بإغراءات كطعم، ويؤكد: أن كل ذلك لم يضعف من عزيمته ولم يثنه عن هدفه بضرورة وحتمية إسقاط النظام».
وعن ارتباطات النظام الخارجية وصلاته بالتنظيمات الإرهابية، قال الضو: إن كتابه «الخندق» كشف بالوثائق علاقة النظام بالكيان الإسرائيلي، في الوقت الذي كان يدَّعي فيه أنه حامل لواء النضال والمقاطعة ضدها. وكذلك من متناقضات النظام التي كشفت عنها وثائق الكتاب، أنه عندما كان منسوبوه يجأرون بالويل والثبور للولايات المتحدة، كانت وكالة الاستخبارات الأميركية تبحث عن المعلومات داخل غرف نومهم، حيث لم يكن ذلك النظام إسلامياً، بل كان نظاماً ميكيافيلياً جمع بين متناقضات غريبة بغرض البقاء في هرم السلطة. وأكد أن سقوط نظام البشير كان حتمياً، وأن طول بقائه في السلطة لم يكن ذلك بسبب الوطنية أو الإخلاص الديني كما يدعون، ورأى أنه الآن بعد سقوط النظام سوف يكشف القناع عن فضائح شخصية لتنظيم شيطاني.