منذ سقوط نظام الجبهة الاسلاميه في الحادي عشر من ابريل الماضي يبدو الحزب الشيوعي السوداني كأنه يسبح في فضاء توهم فيه انه (سيد الكورة) وانه ابن جلا وطلاع الثنايا فقد عكست بياناته التي شرع في بثها بنهاية ابريل الماضي وأتبعها ببيان في ٤ مايو٢٠١٩م أنه صاحب الثورة، وأن على الجسم السياسي أن يتجرع هذه البيانات مقرونه بالظهورالطاغي لكوادر الحزب مثل الرشيد سعيد وغيره.
ويبدو كأن هذه الحالة المدهشة مرت مرور الكرام على الجميع إذ لم يلتفت إليها بما تستحق، وخاصة من احزاب وقوى نداء السودان والمتهمين في هذه البيانات والتصريحات ان (عودهم في الثورة عود مره) كما يقول المثل مع ان هذه البيانات من حيث الشكل ظلت تستخدم لغة متخلفة فيها احتكار الثورة لصالح الشيوعي الذي غره الصمت بان اندفع يستخدم قاموساً إقصائياً وتعابير لا يفهمها الجيل الجديد، ولا يدرك مراميها ومقاصدها على وجه الدقه، ولكنه يغمز بها في وطنية بعض الأحزاب، ويفصل لها مقاييس خيانة الثورة، وهكذا اصبح الحزب (نعامة المك المافي زول يقول ليها تك) وللمفارقة ان قاموس نعامة المك اوغل في سياق صار خارج التداول سياق انهار بانهيار جدار برلين والاتحاد الذي كان سوفياتيا ولكن الحزب مصر في وصم مخالفيه بكلمات من صنف (القوى الرأسمالية والرجعية وسرقة الثورات).
ولكن هذه الجعجعة اللفظية لم تعد لا شكلاً ولا مضموناً من شواغل الجيل الثوري، ولهذا اعتبرها من تراثيات ما كان يلاك في الستينيات؛ لان تطور علم السياسة أحالها للمتاحف للفرجة، وبالمثال يتضح المقال فالصين الشيوعية لم تعد ترى عيباً في ان تكون برجوازياً ولم تعد ترى في الغرب العدو الرأسمالي فهي تتبادل منذ عام ١٩٩٠م المحاضرين والأكاديمين مع الدول الغربية، وهو ما يفسر تقدمها،ولماذا صارت للصين ١١جامعه بين أفضل مئة جامعه في العالم، ولقد ادركت الصين أهمية هذا التبادل الأكاديمي ودوره في نقل عمال الصين من الزراعة الى الصناعة وإسهامهم المدهش في النمو الصيني حتى بلغ نقطة (لويس) التي تؤشر لنهاية منحنى النمو.
ولهذا عندما يستمع شبابنا لتصريحات مناديب الحزب الشيوعي ويقرؤون في بيانات شيوخ الحزب تذكرهم بعض التعابير بقصة اَهل الكهف او يستعيدون مضامين كتاب (المسالك والممالك) لابي القاسم عبيد الله بن خرداذبة او كانهم يستمعون لخطب الجمعة لمولانا ابن نباته التي يدعو في نهاية اي خطبة لطول عمر السلطان العثماني بينما الخلافة العثمانينة نفسها شبعت موتاً.
واذا كان (كعب أخيل) الحزب الشيوعي السوداني استخدامه لغه غير مفهومه للجيل الجديد فإنه بالبيانات المتهافتة يؤكد سذاجته السياسيه وجهله بالتحولات الاجتماعية في السودان، وجهله بما حدث خلال العقود الماضية فقد حدث تحول يكاد يجيب فيه الشباب عن تساءول ظل معلقاً منذ الاستقلال وهو (من نحن؟)، وقد عبر هذا التحول عن نفسه في شكل وعي جمعي جسدته روح ثورة ديسمبر – ابريل الحالية و هذه التحولات في الوعي السوداني من أبرز فوائدها الانفتاح على مكونات السودان الاجتماعيه والسياسيه؛ ولهذا رأينا حضور الوعي السياسي وحضر شعار (يا غبي ومغرور كل البلد دارفور) وهو ما يعني إعادة إنتاج الوعي الوطني وبأن (السودان للسودانيين) دون إقصاء، وعلى المستوى الخارجي كان واضحاً أن الثوار ليس لهم اجنده شيوعية، ولا خصومة مع السفراء أوالسفارات التي توددت اليهم، ولكنهم في أن يقودهم وعيهم الوطني في تاسيس العلاقات الخارجية.
ولهذا بدلا من تلافي بؤس خطاب الحزب الشيوعي ونقص وعيه بهده التحولات ترك الحزب عوراته ويتمه الفكري وقفز الى التهجم على قيادات سودانية صاحبة عطاء نضالي باذخ وثر، وشرع في المزايدة عليها، بينما الساقط عمره ما يصحح كراسات الناجحين، ومن يكن في وزن الريشه لا ينازل أبطال الوزن الثقيل، فهذه بضاعة مزجاة، ومائدة، فضلاً عن أن الجيل السوداني الثائر اليوم لن تنطلي عليه هذه الأحابيل، وهو الذي تخلص من أثقال الايدولجيات الفاشلة التي غربت شمسها في بلاد المنشأ. إن المزايدة بأن حزب الأمة يبحث عن السلطة يفضح توسل الشيوعيين للنقابات ومؤسسات المجتمع المدني للوصول للسلطة. ان الاحزاب كونت للوصول للسلطة، ولكن العيب قد يكون وسائل الوصول إليها.