ندائي ونصيحتي لقوى إعلان الحرية والتغيير أن ينتبهوا لعامل الوقت الذي يضيع على الثورة وعلى الشباب الذي طال انتظارهم وهم الآن في شمس الصيف المحرقة في رمضان. كما أن أي تأخير ليس في صالح الثورة إضافة إلى استفحال الأزمات في المعيشة والخدمات.
أقول لقوى الحرية والتغيير: أنكم سياسيون politicians ولكنكم ليس علماء سياسة political scientists . ويبدو أنكم لم تحسنوا عملية توزيع الأدوار أو ترتيب أموركم كما فعل المجلس العسكري الذي واضح أنه له شخصيات استشارية أو لجان متخصصة ويقدم رؤيته ورأيه في كل ما يتم طرحه من الطرف الآخر بفهم وبعقل مرتب.
أرى أن قوى التغيير قد أدخلت نفسها في متاهات من حيث الحديث عن تفاصيل ليس هذا وقتها والحديث عن أمور ليس من اختصاصها. فمثلاً لا يحق لها أن تكتب مسودة دستور أو وثيقة دستورية وتطلب من المجلس العسكري يوافق عليها. كتابة الدستور هي من مهام المجلس التشريعي (البرلمان). وحتى برلمان الحكومة الانتقالية سوف يكتب مسودة دستور مؤقت إلى أن يجيزه البرلمان المنتخب.
لكن يمكن أن تتحدث قوى الحرية والتغيير عن ثوابت وطنية أو إعلان مبادئ تُتـرجم في شكل برنامج إسعافي يعالج الاقتصاد والخدمات والتعامل مع الحركات المسلحة والعلاقات الخارجية . وأظن أن لهم برنامج في هذا المجال لكن تاهت قوى التغيير في الحديث عن الدستور والهياكل ودخلت في (مجابدة) مع المجلس العسكري وفي ذلك إطالة للتفاوض وإنهاك لزخم الثورة ومهدد لمصيرها.
أعتقد أن قوى التغيير عملت على تعقيد الأمور أكثر مما يجب. فهي ببساطة يجب أن تشكل حكومة تصريف أعمال لفترة انتقالية أقصاها عامان. ولا أتفق مع اقتراح أربع سنوات لأن الأربعة أعوام هي فترة حكم كاملة (term of office) في معظم النظم السياسية والدساتير في العالم. وما تقوله قوى التغيير أنها تريد أن تنجز الدستور وقانون الانتخابات وتفكيك النظام القديم يكفيه عامان لا أكثر.
أقول لقوى الحرية والتغيير هنالك تراث عالمي وتجارب وهنالك نظريات ونظم سياسية قائمة في الواقع يمكن الاستفادة منها مع بعض التعديل في شكل تكييف بما يناسب ظروفنا الاستثنائية الانتقالية.
فمثلاً هنالك النظام البرلماني البريطاني الذي يقوم على الملكية الدستورية وفيه الجهاز التنفيذي تحت قيادة رئيس الوزراء هو الحاكم الفعلي للدولة أما الملكية فهي جهاز رمزي/سيادي. وهنالك مقولة لتوصيف هذا النظام هي: “الملك يسود ولا يحكم”.
لذلك أقترح أن تترك قوى التغيير المجلس العسكري أن يكون كما هو (عسكري بالكامل) – غير مختلط على أن تكون له السلطة السيادية والأمنية (عبر مجلس الأمن والدفاع)، وأن تصدر كل القرارات الكبيرة في الدولة من مجلس السيادة لكن بتوصية من مجلس الوزراء عدا الأمنية والدفاعية يمكن أن تكون بالاشتراك (من خلال عضوية وزيري الدفاع والداخلية في مجلس الوزراء). أما القرارات التنفيذية التي تسيِّـــر شؤون الدولة فهي تصدر من مجلس الوزراء إضافة إلى القرارات الوزارية التي تخص كل وزير في مجال وزارته (أو اختصاصه)، وكذا الحال للوالي في ولايته والأوامر المحلية في المستويات الأدنى، مع تشكيل لجان شعبية في الأحياء باختيار سكان الحي والمناطق لتسيير الأمور – تحت إشراف الوالي. كما يؤدي مجلس الوزراء مهامه الانتقالية من خلال مفوضيات ولجان متخصصة.
أما الجهاز التشريعي فمهامه معروفة على أن يتم تشكيله من كل القوى السياسية، لكن أقترح إضافة عشرة أعضاء من العلماء والخبراء في مجالات العلوم السياسية والقانون (خاصة القانون الدستوري) والإدارة العامة ليثري عملية التشريع ويسهم في كتابة الدستور وقانون الانتخابات مع المفوضيات المختصة بذلك. فالبرلمان مثل ما يحتاج للشرعية من خلال اتساع قاعدة التمثيل للمكونات المختلفة فهو أيضاً يحتاج للعلم والخبرات لأنه سوف يؤسس لدستور وديمقراطية مستدامة وحكم رشيد (المرجعيات والأدبيات موجودة لتحقيق كل ذلك)..
أقول لقوى الحرية والتغيير إن المجلس العسكري شريك أصيل في إنجاح الثورة، وهو كذلك مهم اليوم لتأمين الثورة ولحماية الانتقال السلمي للسلطة فلا يجوز التضييق على وجوده كجسم وطني له اعتباره في الأمن والدفاع والسيادة .
أخيرا أقول لقوى التغيير:
عليكم فقط أن تعلنوا حكومة تكنوغراط – هي الجسم الحاكم الفعلي – وأتركوا أمر السيادة والأمن للمجلس العسكري. شكلوا الحكومة بأسرع ما يكون (قدموها للمجلس) ثم استعينوا بالعلماء والخبراء عبر المفوضيات أو اللجان المتخصصة أو حتى شكل مؤتمرات فهم يملكون خارطة الطريق وجاهزون بالدراسات وتفاصيل التفاصيل للفترة الانتقالية وحتى لما بعد الانتقالية في مجال الدستور والمؤسسات وإعادة هيكلة الدولة وإعادة بنائها على أساس الديمقراطية الحقيقية والفدرالية الكاملة والحكم الرشيد.
والله الموفق.