كان له ذلك الحضور المميز مع دراما التلفزيون في بداياتها ، له نشاط مسرحي مكنه من ان يلقب بالعميد ـ عميد الخشبة ـ نشاطه الدرامي كان يتنوع بين الكتابة ، كتابة المسرحية و التمثيلية التلفزيونية و الاذاعية وبين التمثيل و الاخراج الاذاعي و المسرحي و التلفزيوني ، لم اره يمثل علي خشبة المسرح و لكن كان لنا شرف ان يشارك معنا بدور صغير في مسلسل (وادي ام سدر) ، تاليف الاستاذ محمد خوجلي مصطفي و اخراج الاستاذ الشفيع ابراهيم الضو ، كان ضيف شرف في هذا العمل ، لاحظت وقتها انه كان يتهيب هذه المهمة بخوف من خبر المجال و لكنه ابتعد كثيرا عن الممارسة ، حرضني الاخ الصديق المخرج الشفيع علي اثارته حتي يخرج من قيود خوفه و تهيبه ، كان العميد احمد عاطف يتحرك او تتحرك دوافعه للعمل حين يوضع في محك التحدي ، فقلت له
(( يا عميد انت خائف مالك ، انت ما بتعرف تمثل و لاشنو ؟ ))
فاتسعت حدقات العيون تلك التي تهدلت منها الجفون بتراكم الهموم والسنين و قذفني بنظرة تحدي و بجملة شاتمة وحميمة ، و حين اعيد المشهد كان العميد احمد عاطف قد خرج من تهيبه و قام باداء دوره بقدرات متميزة.
كنت التقي به في مكاتب ادارة الدراما بالتلفزيون ، كان وقتها علي رأس هذه الادارة و استطعنا نحن جماعة السديم المسرحية ان ننجز في ظل ادارته برنامجا (كوميديا)– اوقف بتدخل من جعفر نميري او هكذا قيل لنا — ، طبعا من الممكن ان يكون الامر غير ذلك ،اقنعة المنع متعددة الاساليب و متنوعة الاسباب .
في نهاية السبعينات و بداية الثمانينات استعاد العميد احمد عاطف سطوته كمخرج مسرحي من خلال مسرحيةـ هو وهي ـ وشارك فيها محمد خيري احمد، تحية زروق؟، بلقيس عوض و علي مهدي ، ولهذه المسرحية مع العميد دراما من الوسواس تمكنت الي درجة الاعتقاد الجازم في شعوذة الفكي والبخرات و الاحجبة و غيرها ، اذ دخل علي هذا العمل المسرحي اسم ـ محجوب برير محمد نور ـ و هو عسكري ضليع في هذا المجال ، نسيت الان رتبة هذا المؤلف بسبب انني لا اعتد كثيرا بالرتب العسكرية ، دخل اسم محجوب برير محمد نور ككاتب قصة ، هكذا اعلن عنه في بوردات الاعلانات ومن خلال اعلان الاذاعة و التلفزيون ـ (هو و هي قصة محجوب بريرمحمدنور ، اعداد واخراج احمد عاطف) ـ و من هنا بدأت الخلافات تظهر هنا و هناك و لاذ العميد بمحاكم يبدو انها التي ثبتت اسم محجوب برير علي هذه المسرحية ، وكان العميد يمارس هذيانه و بغبن شديد تجاه كاتب قصة مسرحيته و يحكي هو انه قد تم خداعه وذلك حين دعاه محجوب برير الي وجبة سمك و قام بدس ـ (عمل) ـ له وجعله يوقع علي ورقة تثبت انه كاتب القصة ـ قصة المسرحية.
امتدت وساوس العميد و تجاوزت مسرحية (هو وهي) و وصلت الي اخر عمل مسرحي له بعنوان ـ (سبانا الحالم) ـ الذي عرض بمسرح قاعة الصداقة في بداية التسعينات ولم تكن لمحجوب برير اي علاقة بهذه المسرحية برغم ان العميد إستخدم شخصية ـ محمود ودالدايه ـ كشخصية محورية و شخصية (محمود ود البدايه) كانت بعرض (هو وهي) حيث جسدها علي مهدي و في عرض (سبانا الحالم ) جسدها الممثل الراحل عيسي تيراب ، لم ينس وسواس العميد الشخصية التي إدعت ملكينها لقصة انجح مسرحياته لذلك استعان ببخور يبخر به صالة و مسرح قاعة الصداقة و يمتد هذا الفعل الي الخارج حتي شباك التذاكر ، وحين لم تنجح المسرحية جماهيريا اعتبر العميد ان ذلك حدث لان كاتب قصة (هو وهي) قد عمل له عمل الامر الذي جعله يستعين بفكي له صيت و شهرة و هكذا الا ان جاء ذلك المساء الذي طرد فيه العميد و المخرج احمد عاطف مساعده في الاخراج غدير ميرغني ، كان غدير ميرغني في ذلك المساء يقوم بمهامه التجهيزية للعرض و من ضمنها انه من المفترض ان يفرغ الجك الزجاجي الكبير من الماء الذي به من ليلة العرض السابقة و يملأه بماء جديد و كذلك الاكواب الاخري ، دخل العميد احمد عاطف خشبة المسرح ، رأي غدير ميرغني يفرغ الجك من الماء علي احدي الزهريات الموضوعة وراء الكواليس فركض العميد نحوه و داهمه من الخلف و نزع من يده الجك و صاح فيه بكل ذلك الوسواس
(( انت ؟ ، انت المسلطك علي محجوب برير عشان تكب المحاية دي هنا جوه المسرح ))
و طرده من العمل معه في هذه المسرحية ، وهكذا تحول محجوب برير من كاتب قصة الي وسواس عظيم لدي العميد احمد عاطف .
كتب الاستاذ الناقد معاوية البلال في العدد الاول من الملحق الثقافي لمجلة (حضارة السودان) التي تصدر في القاهرة ، وهذا الملحق كان قد صدر في العام 2000 ، كتب معاوية عن كيف رحل العميد احمد عاطف عن هذا العالم ـ (( في مارس 1998و قبل ايام من الاحتفال باليوم العالمي للمسرح الذي يوافق السابع والعشرين منه ، اعلن العقيد سالم احمد سالم ، محافظ امدرمان بانه سوف يكرم رواد المسرح السوداني من ابناء امدرمان ، الفاضل سعيد ، محمود سراج ـ ابوقبورة ـ و احمد عاطف ، و قد دعاهم الي مكتبه قبل يوم من الاحتفال و اجتمع بهم و وعدهم ان الاحتفال سيكون علي النحو التالي ـ
اولا ـ اطلاق اسم كل رائد منهم علي احد شوارع المدينة
ثانيا ـ التصديق بكشك لكل منهم في سوق امدرمان
ثالثا ـ منحهم شهادة جدارة
رابعا ـ اعطاؤهم مبلغ خمسمائة الف جنيه
و في اليوم المحدد بدأ الاحتفال بمسيرة كبيرة ضمت فرقة موسيقية عسكرية و اطفالا بملابس زاهية يحملون شعارات المسرح اضافة الي مجسم كرتوني ملون يمثل بوابة عبد القيوم ، و هكذا بدأت الحلقة الماساوية الاخيرة للرائد المسرحي احمد عاطف الذي ظل من ذلك اليوم و لمدة اسبوعين متواصلين و يوميا يأتي عند الصباح ليصعد بقدميه المتعبتين عتبات سلم مكتب المحافظ في الطابق الثاني لمبني المحافظة لتفاجأه السكرتيرة بقولها المعهود
ـ( المحافظ خرج في جولة وامر ان تأتي اليه في الغد لتجد مبلغ التكريم و تصديق الكشك جاهزا) . ))
و هكذا ظل يوميا العميد احمد عاطف والسكرتيرة يؤديان نفس الدور لمدة خمسة عشر يوما و في اليوم السادس عشر لم يأت احمد عاطف لانه ذهب الي مكان اخر لن يعود منه بسبب ارهاق في عضلة القلب و ضغط الدم المرتفع الذي فجر الشرايين .،،
و هكذا رحل العميد احمد عاطف ـ رحمه الله ـ عن هذا العالم تاركا وراءه احلامه الدرامية وحبه للمسرح.
رحل احمد عاطف و الارهاق الذي اصاب عضلة القلب قد تسرطن و الدراما عضلة قلب الفنون اصبحت مضغة في أفواه القطط السمان.