كان أخي الأستاذ المتألق عزمي أحمد خليل يعمل في مجلة الشرق في الدمام فيما كنت في مجموعة الشرق الأوسط الصحافية في الرياض. وكنت تواقا لمتابعة تحقيقاته الصحافية المترعة بالعبارات الرشيقة والنبضات الصادقة والعناوين اللافتة الساخنة. وكنا نتآنس عبر الهاتف من وقت لآخر دون أن تجمعنا الظروف. وكنت متابعا قصائده المغناة من قبل فنانينا اللامعين ما رسم لوحة زاهية لإبداعه المترع بوهج الموهبة. جرت بعدئذ مياه كثيرة تحت الجسور كما يقولون ثم قادتني الظروف من الخرطوم للقاهرة في طريقي لمانيلا التي كنت أنوي قضاء عيد الأضحى الوشيك فيها مع الأسرة لكن تعثرا في الإجراءات أبقاني في مصر ما حز في نفسي. يوم الوقفة دعاني الصديق حاج مكي لقضاء العيد في بيته. وهكذا كنت في معيته صباح العيد حيث فاجأني أن صديقه عزمي في الطريق ما أبهجني. بعد قليل دخل عزمي ببهائه ووسامته ولطفه وبشرته الناصعة البياض فما إن قدمني حاج له حتى احتضنني بمحبة غامرة عارمة فقلت: عيدنا اليوم عيدان بلقائنا كان حاج قد أتى من الخرطوم حديثا وفي معيته جوا خروف سوداني كامل في كرتونة فابدعت زوجته في إعداد الأطباق الشهية وهي شقيقة الفنان عامر الجوهري ومحبة للفن. بدأت ونستنا من ذكريات السعودية ثم أفاض بظرفه في اتحافنا بمشاهداته العجيبة خلال زياراته المدهشة حول العالم منها رومانيا واليمن’ التي تتبدى فيها روح التحدي ما دعاني لطلب تأليف كتاب عنها. وبما أنه مقيم في فرجينيا في الولايات المتحدة ولديه شقة فاخرة في القاهرة فإنه درج على قضاء بعض الصيف في مصر. ونسبة لعلائقه الواسعة بالوسط الفني وكرمه درج على استقبال رموزنا المبدعة في داره في أمريكا وشقته القاهرية وقال إن علاقة خاصة تربطه بالفنان حمد الريح الذي قال إنه تولى أمر تسفير زوجته من السودان لأمريكا. وتوقف في حديثه عند الفنانين العديدين الذين تغنوا له من الأوائل وحتى الأحدث’ مشيدا بموهبة الفنان الهادي الجبل في الجيل البازغ. كان الوقت يمضي سريعا ونحن في بهجة الحديث و القهقهة المتواصلة حتى هبط الليل ونحن في مجلسنا الجميل. وحين أزف الافتراق أهداني ديوان شعره ” حان الزفاف ” الحاوي إنتاجه وبينه قصيدة مدح كتبها الفنان ابن البادية له وعنه مشيدا بأخوته وكرمه. معلوم أن الفنان الباذخ هاشم ميرغني تغنى بقصيدة حان الزفاف بصوته الآسر الذي تمايست معه قلوب العشاق’ كما غناها كثيرون منهم الفنان الصومالي أحمد ناجي بصوته الملائكي ومن يدخل منكم ” يو تيوب ” سيجده يغني بإجادة ويعزف العود بمهارة ويداعب البيانو باقتدار في الوقت نفسه.
حان الزفاف وأنا حالي كيفن بوصفو
يا ريت هواك لي ما انقسم ولا قلبي ريدك نزفو
في خضم مشغوليتي هذه الأيام في استكمال إجراءات سفري للولايات المتحدة قريبا كان يلح في خاطري ضرورة لقاء مبدعنا الرائع عزمي وإسعاد نفسي بمجالسته في أمريكا’ التي قال لي إن أجمل ما لفت نظره فيها توخيهم الصدق .. لكنه الموت مفرق الجماعات وهادم اللذات’ فما ألذ الأحباب المحبين أمثال فقيدنا الرقيق الراقي. إن المحبة التي ترعرعت بيني وبين الشاهق عزمي ستظل وهجا في قلبي وعقلي ما حييت.. برحيل الجميل عزمي فقدت حديقة الإبداع السوداني دوحة باسقة من العشق المترع والعبقرية المترفة. وداعا الحبيب الملهم.