قد يفهم خطاب رئيس المجلس العسكري الانتقالي الفريق عبدالفتاح البرهان على أكثر من وجه، إلا أن ما يجب أن تفهمه قوى إعلان الحرية والتغيير والقوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى بما فيها قوات الدعم السريع أننا أمام استحقاق وطني تاريخي، وبشراكة تامة، وأي إخلال بمقتضيات هذه الشراكة يعني أن الوطن سيكون في مهب الريح.
إذا كنا
نتبادل اللوم الآن ونحن في وضع استرخاء إلى حد كبير، فإننا في الغد سنكون في وضع
حرج تماماً، لن يجدي فيه التلاوم والعتب.
إن الإسراع في الوصول إلى اتفاق يضع مصلحة الوطن في قمة الأولويات بات أمراً لازماً؛ لأن رؤوس الشر بدأت تطل على المشهد بخلسة في البداية، وبعين قوية الآن.
ولنا في الثورة المصرية عظة وعبرة، فقد ظل اللهو الخفي يحصد الأرواح، وإلى الآن لم يُكشف هذا الخفي.
والآن اللهو الخفي السوداني بدأ عمله في بث الخلاف بين الأطراف، ونشر التشكيك، وضعضعة الثقة، وهذا ما يضعف الشراكة، ويوهن العزائم، ويجعل كل طرف يبذل جهده في التحوط أكثر من العمل الجماعي الإيجابي، الذي ينتظره الوطن بعد كل التضحيات التي قدمها الشعب برضا وفدائية نادرة.
ويبدو الخطر الأكبر في ظهور التطرف الديني ممثلاً في
محمد علي الجزولي الذي يمارس الترهيب باسم الدين، ومعه عبدالحي يوسف الذي جعل
المجلس العسكري خائناً للدين لاتفاقه مع قوى الحرية والتغيير.
وعندما يظهر التكفير فإنه ينذر بالعنف، فهما يترافقان دوماً، ويجب ألا تتاح المجال لهؤلاء باسم الحرية، لأن هذه السموم التي يبثونها أخطر من المخدرات التي يحرمها القانون؛ لأن تخدير العقول باسم الدين هو الذي يقود إلى ما نراه من إرهاب يستهدف الآمنين.
إن المرحلة تتطلب من طرفي الشراكة التقارب أكثر، وهذا
لن يكون ما لم يتخلص المجلس العسكري من الطابور الخامس المرتبط بالنظام السابق،
الذي يجره جراً إلى الخلف، ويحول دون اتخاذ قرارات تناسب عظمة الثورة ونبل
أهدافها، كالقبض على رموز النظام، وجوقة الفاسدين الذين يعلمهم القاصي والداني،
والإعلاميين الذين ارتبطوا بالنظام وزينوا له أفعاله على مدى 30 عاماً، وارتزقوا
من مهنتهم، ولا يزالون، والذين يبثون سمومهم الآن جهاراً نهاراً.
إن سلمية الثورة التي أبهرت العالم يجب أن تستمر، وعلى المجلس العسكري الانتقالي إذا كان جاداً في الحفاظ على أمن الوطن واستقراره ألا يخلط الأوراق، وأن يقيم الأمور بميزان الذهب، وأن يدرك أن الشباب الغض الذي فتح صدره للرصاص واستشهد مبتسماً ورافعاً علامات النصر لا يمكن أن يتهم بعدم السلمية، ولا يمكن ان يستوي من يحمل السلاح ومن هو أعزل.
الحل الأمثل الذي تستوجبه المرحلة لسلامة الوطن وضمان أمنه واستقراره هو بت الأمر في اتفاقية الشراكة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير، لبدء مرحلة تتطلب كثيراً من اليقظة وكثيراً من العمل، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا على أساس راسخ من الثقة المتبادلة، وعلى كل حادب أن يضع أمام ناظريه أننا بين أمرين لا ثالث لهما: الوطن يكون أو لا يكون.