في فجر الثورة الامريكية كانت عاصمة البلاد في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا ولكن الكونجرس قرر نقلها الى مقر جديد يكاد يكون مجهولا إلا انه تحول مع الزمن الى مدينة مشهورة رائعة الجمال هي واشنطن العاصمة الحالية وكان ذلك بسبب “زعلة” للكونجرس من حاكم ولاية بنسلفانيا لانه تباطأ في ارسال مليشيا الولاية لاجلاء جنود مخمورين من باحة المجلس التي اقتحموها للمطالبة برواتبهم المتأخرة.
قام حاكم الولاية بكل ما يمكن عمله على سبيل الترضية والاعتذار ولكن المجلس التشريعي الغاضب اجتمع على الفور واصدر قرارا بتفويض رئيس الجمهورية جورج واشنطن وتسليمه مبلع مائتي الف دولار ليشتري ارضا في أي موقع يختاره لانشاء عاصمة جديدة للدولة حديثة الاستقلال. ونقلها من العاصمة القديمة فيلي ( كما يسمونها تدليلا)
واليوم وبعد اكثر من مائتي عام على تلك الاحداث تمثل فيلي مدينة كولونيالية تحتشد بالبنايات القديمة على الطراز الفكتوري وترتفع فيها معدلات الجريمة اما واشنطن فقد غدت مدينة من المرمر والرخام وواحدة من اجمل عواصم الدنيا يحج اليها الامريكيون جيلا بعد جيل ليشاهدوا مخلفات ثورتهم العظيمة وتقام فيها تماثيل قادتهم وكبرائهم من الرئيس واشنطن الى لنكن وحتى أخر المحتفى بهم وهو مارتن لوثر كنج الذي قاد نضال الامريكيين السود في ستينات القرن الماضي من اجل حقوقهم المدنية.
حدثت كل تلك الاحداث وسطر التاريخ تلك الوقائع والمصا ر لأن حاكما إقليميا تصرف برعونة مقصرا في خق السلطة التشريعية وهي السلطة الاحق بالطاعة والاتباع.فهي في حقيقة الامر السلطة التي تملك اعلان الحرب وتفويض الرئاسة لادارتها على النحو المناسب دون ان تتدخل في التفاصيل ومع ان الفقه الدستوري الأمريكي قائم على مبدأ فصل السلطات الا ان هنالك قدرا من التداخل بينها في بعض الأمور التي حددها الدستور ومن ذلك سلطة الكونجرس على التعيينات الإدارية العليا مثل الموافقة على تعيينات الوزراء والسفراء وقادة الجيش وقضاة المحكمة العليا وكبار الإداريين وكلها من اختصاص السلطة التنفيذية ولكنها خاضعة لموافقة الكونجرس ونسوق كل هذه الأمثلة تفنيدا لرأي أدلى به احد قادة مجلسنا العسكري الحالي متحججا بأنهم لايريدون تسليم رقابهم لاشخاص مجهولين لا يعرفون حتى أسمائهم ويقصد بذلك وزراء الحكومة الانتقالية القادمة الذين لم يتم حتى اختيارهم ناهفيك عن تعيينهم وادائهم القسم وكل ذلك اعتراض موفوض من الناحية الدستورية الا انه يكتسب وجاهة قانونية نظرا للظروف الاستثنائية التي تمر بها بلادنا إذ ليس لنا دستور مجاز من قبل مؤسسة دستورية متفق عليها وقبل كل ذلك ماذا يدعو الضباط للتحسب من مسائلة قادمة بينما تشير كل الشواهد ان الصباط الذين أيدوا الثورة او ظلوا على تأييدها يدخلون سجل البطولة في السودان وليس لهم ان يتوقعوا منا سوى الإشادة والتكريم.
إلا ان تلك المناسبة تصلح مدخلا للوضع القادم لقواتنا المسلحة في النظام الدمقراطي القادم الذي ستحطى فيه بأرفع المقامات في اطار القانون والنظام ولكنها ستكون رغم ذلك خاضعة للقانون والنظام وما لم يحدث ذلك ستكون بلادنا في حالة تمرد دائم لقواتها النظامية, وهو تمرين دمقراطي مفيدلقوات بم تتعود الخضوع للقانون بل انها خكمت السودان على مدى 52 عاما من اصل 63 عاما هي عمر الاستقلال.
واكمالا لمجريات قصة الكونجرس وزعلته مع فيللادلفيا فقد ذهب الرئيس واشنطن الى منظقة قريبة من املاكه في مونت فيرنون واشترى فيها مائة ميل مربع من الأراضي معلنا عن مخطط المدينة الجديدة وجعل من مدينة جورجتاون المجاورة مرتكزا للمدينة الجديدة توفر لا هها السكن والخدمات وفرص التسوق وتعرضت المدينة الجديدة لنكسات قاتلة منها حرب 1812 مع بريطانيا العظمى حيث خسر الامريكيون تلك الحرب وقام البريطانيون باحراق مباني الكونجرس غير المكتملة وتناول ضباطهم المنتصرون طعام العشاء على وهج حرائقها. أما بالنسبة للسودان فليس منظورا ان يؤدي زعل الكونجرس لاي نتائج كارثية من ذلك القبيل وستكون زعلته منا نصف زعلة إذ ان نصفنا المدني وجد نفسه متفقا معه بينما لم يعارضه سوى نصفنا العسكري وليس ذلك نصابا كافيا لنقل عاصمتنا لاسمح الله.
melmekki@aol.com