توقعنا الأسبوع الماضي أن يصل الحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير إلى وفاق شامل يقود إلى بدء المرحلة الإنتقالية فوراً خاصة وقد أكد الجانبان أنهما قد إتفقا تماماً على أكثر من تسعين في المائة من القضايا الخلافية ولم يتبقى أمامهما سوى حسم قضية تحديد نسب عضوية كل طرف في مجلس السيادة والإتفاق على الطرف الذي يتولى رئاسة ذلك المجلس بعد أن أعلن الطرفان إتفاقهما على مجلس ذي وضعية رمزية دون أي سلطات تنفيذية هامة ولم يكن ذلك مستغرباً إذ أن هذا هو دور رأس الدولة سواء كان فرداً أو مجلساً في الجمهورية البرلمانية التي ظل السودان يتبناها في كل الأنظمة الديموقراطية التي مرت عليه منذ إستقلاله ولم يكن أحد يتوقع أن يتطاول أمد الخلاف بين الجانبين حول هذه القضية إلى درجة تهدد بإنهيار الفترة الإنتقالية لأن هذا المجلس لايمثل أهمية قصوى في النشاط التنفيذي المتوقع خلال الفترة الإنتقالية ولكن أهميته الرمزية فيها تأكيد لتحقيق الإنتقال من حكم شمولي إلى حكم ديموقراطي مدني.
كنا نتوقع من المجلس العسكري أن يتفهم أهمية هذه الرمزية ليس لقوى الحرية والتغيير فحسب بل للمجلس العسكري نفسه الذي يهمه أن يعرف العالم أنه لم يقم بإنقلاب عسكري جديد ليحل محل حكم ديكتاتوري قديم بل هو إنحاز حقيقة لمطالب التغيير الذي ثارت الجماهير من أجله وأن المجلس غير راغب في ممارسة السلطة وهو جاد في نقلها فوراً للقوى المدنية فذلك هو ما يتوقعه منه المجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي حتى يطمئن لحرية التغيير – لكن وعكساً لكل التوقعات فأن المجلس قد أصر على أن يحوز على أغلبية عضوية مجلس السيادة وأن يحوز أيضاً على رئاسته مما يرسل رسالة ليس للسودانيين فحسب بل للمجتمع الإقليمي والمجتمع الدولي مؤداها إن السودان عائد مجدداً للحكم العسكري كامل الدسم وأن ماحدث فيه لم يكن سوى إنقلاب عسكري افرز مجلساً عسكرياً جديداً يتولى السلطة في أعلا مراقيها وبالقطع ليست هذه هي الصورة التي يحرص المجلس العسكري على إرسالها للعالم حسب تصريحات أعضائه المتواصلة عن الإسهام في الإنتقال الديمقراطي عبر تسليم السلطة للمدنيين.
والأمر الذي يثير الدهشة أن هذا المجلس ليس من صلاحيته مناشط تنفيذية هامة ليتمسك بها المجلس العسكري وأهميته لا تعدوا أن تكون رمزية السيادة فهل يستحق ذلك موقفاً متشدداً من المجلس العسكري يوشك أن يطيح بإنجازات عظيمة تحققت عبر الإتفاقات السابقة؟
إن الملايين الذين ثاروا وواصلوا جهودهم ليل نهار وقدموا التضحيات الجسام في ثورة سلمية كانت أية في الروعة والجسارة – لم يفعلوا ذلك كله لكي يستبدلوا حكماً عسكرياً بحكم عسكري اَخر. إن المرحلة الإنتقالية هي مرحلة شراكة بين المجلس العسكري وقوى الثورة وهدفها الأساسي تصفية النظام الشمولي السابق وتهيئة الميدان للنظام الديمقراطي القادم الذي يأتي عبر إنتخابات حرة نزيهة تجري في نهاية الفترة الإنتقالية وتتصدرها القوى التي تحظى بثقة الناخب السوداني – وعنوان الفترة الإنتقالية هو تفكيك دولة الشمولية ولذلك لابد أن يكون رمزها مدنياً رغم مشاركة الطرف العسكري وليس في ذلك أي طعن أو تقليل من الدور العسكري في حماية الوطن ولا في الدفاع عن الثورة ولكنه تقرير وتعزيز لوضع جديد وإذا تعامل المجلس العسكري مع إحتياجات الفترة الإنتقالية وفق هذا الفهم لاتفق مع الطرف الاَخر على أن تكون رمزية ( مدنية السلطة) القادمة هي حجر الأساس في المشروع السياسي للفترة القادمة مما يتطلب بروز الدور المدني في الرمز السياسي للمجلس خاصة وأن قوى الحرية والتغيير قد بذلت جهداً كبيراً لتجسير الفجوة بين موقفها وموقف المجلس العسكري سواء بالنسبة لعضويتة أو رئاسته.
ومع إيماننا بأن بناء هياكل السلطة القادمة هي مسئولية السودانيين وحدهم إلا أن السودان يحتاج تماماً لتطبيع علاقاته مع واقعه الإقليمي والدولي ويهمه أن يبرز صورة وفاقية حول بناء هياكل السلطة المدنية وأن مدنية تلك السلطة إلتزام لا يمكن التفريط فيه ولابد من تحقيقه والإلتزام بإنزاله إلى أرض الواقع حتى يكتمل بناء الدولة الديمقراطية المنشودة والقائمة على العدل والإنصاف وسيادة حكم القانون والحكم الراشد والشفافية والمساءلة والمحاسبة – وقد اَن الأوان ليصل الحوار بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير نهايته وليكن هذا الأسبوع هو موعدنا للدخول في المرحلة الإنتقالية المرتقبة بعد أن طال أنتظارنا لها؟