من تمام زينة الثورة وقفة شبكة الصحفيين السودانيين اليوم الأحد احتجاجاً على إغلاق مكتب شبكة الجزيرة وسحب تراخيص العمل من مراسليها. وأعلم أن كثيراً من هؤلاء الصحفيين غض الطرف عن رأي قديم في القناة ليقف مع حقها في أداء واجبها الإعلامي المهني.
سوغ المجلس لإيقاف الجزيرة بركاكة مؤسفة. فقال إن الجزيرة تأوي بين دفتيها خلية إرهابية تدس بين المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير، وتدعم فلول النظام القديم لقيادة ثورة مضادة. وكذبتموها يا مجلس في بكانكم هذا. فالذي يأوي (لا بل ينفق من يومه وجيبه للاقتراب من فلول البشير ولرصهم رصاً من حوله) هو المجلس العسكري لا غيره. والذي نط من الاتفاق مع قوى الحرية والتغيير هو المجلس العسكري. والذي يرتب للانقضاض على اعتصام الحرية والتغيير هو المجلس العسكري ينتقصه بالذخيرة الحية من أطرافه. لسنا نحتاج للجزيرة لترينا الواضح وفاضح.
أغلق المجلس العسكري الجزيرة بذريعة منقولة من كتاب الإنقاذ الخالق الناطق. فقال إن الجزيرة هربت أجهزة اتصال عن طريق موظفي مكتبها في الخرطوم وتم تسليمها لعدد من أنصار البشير. وهذا روتين الإنقاذ ذاته الذي حلت به إحدى منظمات المجتمع المدني في نحو 2010، واعتقلت ناشطين فيها بتهمة حيازة أجهزة إرسال خفية. وكان ذلك في سياق حملة أغلقت راديو دبنقا، وإذاعة مرايا التابعة للأمم المتحدة، وإنهاء العلاقة مع البي بيبي سي. وكان قمع الخبر عن السودان طريق الإنقاذ لتفادي النظر لوجهها الدميم في مرايا الدنيا. فلما خذلتها شجاعتها في مواجهة خطاياها شيطنت الإعلام العالمي (والداخلي بالطبع) الذي تريده أن يرى فيها ما تراه هي لا ما هي عليه في الواقع. واستكبرت حتى دقت الدلجة. وها هو المجلس العسكري يرتكب نفس الطريق. فيمنع الجزيرة من مزاولة البث. ولم يفط من خساسة كتاب الإنقاذ حتى سطر الاتهام بالتجسس بأجهزة دسيسة.
وغير خاف أن المجلس العسكري حاقن على الجزيرة بالوكالة ربما بأكثر مما بالأصالة. فلم يحتشم من يومه الأول في الانجرار المذل وراء محور السعودية والأمارات. وهو المحور الذي يتضح يوماً بعد يوم أنه صانع المجلس العسكري. وكنت استنكرت في كلمة سبقت إزاحة المجلس لوكيل وزارة الخارجية لقيامه بواجبه كوزير خارجية مؤقت في الحديث إلى دولة قطر عن زيارة اقترحوها لوفد منهم للبلاد. وكان هذا الفصل الباكر المعلن لموظف دولة خلال تأديته لواجيه الرسمي درك في الخلق السياسي والدبلوماسي تمتنع فيه دولة ذات سيادة من التعامل مع دولة أخرى بإملاء ممن له غبينة على هذه الدولة. فنصاب بالعدوى زلفى بلا غبينة، أو من المفروض ألا تكون لنا.
ليرجع المجلس العسكري عن قراره بإغلاق مكتب الجزيرة. فهذه الخصلة في الحكم الذي يروعه النبأ عما تقترفه يده مما جربناه لعقود في دولة الإنقاذ الهالكة. ولو أجداها لما كان المجلس أصلاً. وطريق المجلس لإعمار ما بينه وبين قوى التعبير لا يؤمنه إغلاق الجزيرة. فليست قوى الحرية والتغيير بسميعة. وليبحث المجلس عن هذه الأذينية عند غيرنا. وإذا كان إغلاق الجزيرة من باب السمع والطاعة لمن بيتوا حصار قطر والجزيرة بالذات في محور السعودية والأمارات ومصر فنسأل المجلس أن يكف عن هذا التبذل الذي لا يشرفه أمام هذه الشعب الذي يعرض كبرياءه منذ نصف عام كما عرضها فرسان المهدية في قول تشرشل في “حرب النهر”. وقال أعز من قائل:
“وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين”.
IbrahimA@missouri.edu