اعتقد المجلس العسكري أنه يستطيع خداع العالم، والادعاء أنه لم يرتكب جريمة بشعة في حق شعب أعزل ظل يشيد به على الرغم من تمسكه الشديد بالسلطة إلى حد الشره، حتى أفشل كل سبل الاتفاق على نظام مدني يعيد هيكلة دولة أرهقها العسكر أكثر من 30 عاماً متواصلة، إلى جانب سنوات تقاربها لنظامي عبود ونميري.
وظن العسكر أنهم يغمضون عيون العالم إذا استبعدوا قناة الجزيرة القطرية، ومنعوها من التغطية، وفاتهم أن نيتهم كانت مكشوفة لجموع الشعب السوداني، الذي قرر أن يواجه رصاصهم بقلب مفتوح، حتى تكتمل ثورتهم وتصل إلى مبتغاها.
هل هناك كذب صريح أكثر من قول المتحدث باسم المجلس الفريق شمس الدين كباشي “إن القوات السودانية لم تفض الاعتصام أمام مقر قيادة الجيش بالقوة”، وأنها “استهدفت منطقة مجاورة له باتت تشكل خطرا على أمن المواطنين” وتحولت الى “بؤرة للفساد والممارسات السلبية التي تتنافى وسلوك المجتمع السوداني”.
على من يكذب هذا المجرم ربيب المجرم البشير وحامل
أختامه، هل نسى أن الشعب السوداني جميعه في ساحة الاعتصام جسداً وروحاً، بعد أن
وحدت الثورة شرفاءه، وجعلتهم على قلب رجل واحد.
هل يريد أن يكذب على العالم الذي شهد بسلمية الثورة السودانية، وجاء ممثلو الدول المتقدمة التي ترتجف من أي رائحة عنف، وتنصح رعاياها بألا يقربوا أماكنه المحتملة، وقد جلسوا مع المعتصمين وعاشوا حياتهم، وأشادوا برقي سلوكهم وتحضره.
لقد أضاع هذا المجلس الغبي ببرهانه وبحميدته على نفسه
مجداً كان سينسب إليه إذا سار بالبلاد إلى بر الأمان من دون إراقة الدماء، إلا أن
شره السلطة أعمى بصيرة أعضائه، حتى فقدوا أي رشد يعصمهم من الظلم والولغ في دماء
أبناء الوطن بلا رحمة.
إذا كان المجلس يريد أن يستعير تجارب شعوب أخرى، كان عليه أن يدرك أنه لا يمثل جيشاً وطنياً متماسكاً يمكن الارتهان إليه، لتحقيق الحد الأدنى من التوافق، وإنما فيه عطب كبير، تجاوز عنه الشعب أملاً في الإصلاح، إلا أنه أبى إلا أن يزيد العطب، حتى أصبح من المستحيل إصلاحه.
إن جيش حميدتي الذي يتغول على الجيش الوطني، ويجعل
دوره هامشياً، ويتحرك بالنيابة عنه في طول البلاد وعرضها، إنما هو جيش احتلال
بجدارة، لا يمكن أن يسكت عليه الجيش السوداني الحر، الذي آل على نفسه الحفاظ على
وحدة الوطن، وحماية إنسانه وأرضه.
إن القوى الوطنية التي تراخت وهي تتراشق فيما بينها، والمجلس العسكري يتلاعب بها، يجب عليها أن تعي أنها أمام اختبار حقيقي لإرادتها في أن تعلي القيم الوطنية على ما سواها، ويجب أن تعرف أن عليها قيادة المرحلة وتجييش قاعدتها للدفاع عن حياض الوطن، فلم يعد هناك مجال للمناورات السياسية البعيدة عن الواقع، والحالمة بإمكان إقناع العسكر بتسليم السلطة.
إن العسكر الذين مضوا في التقتيل، ثم في الكذب
والتحايل على الشعب ثم على العالم أصبح موقفهم واضحاً، ولا يحتاج إلى تفسير
وتأويل.
إن جريمة عسكر اليوم تضاف إلى جرائم المجرم عمر البشير
الذي أوجد هذا الدعم السريع شوكة في خصر الشعب السوداني وجيشه، حتى يحتمي به، بعد
أن مارسوا القتل على أهلنا في دارفور.
إن نظام الإنقاذ المجرم مارس أسلوب “أنا وبعدي الطوفان”، ولذا أصبح لزاماً اقتلاع جذوره من تربة هذا الوطن حتى يتطهر من دنسه.
إن المجلس الذي يراهن على غير شعبه لا يستحق أن يستمر، ولا تليق به إلا تهمة الخيانة العظمى.
حمى الله السودان وشعبه بفضل هذه الأيام المباركة،
وجعل الله كيد من يتربصون به في نحرهم.