استمعت اليوم الأربعاء لكلمة رئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الفتاح البرهان التي وجهها للشعب السوداني. أستمعت مرتين لكلمة الجنرال. وخلاصة ما خرجت به أنّ الكلمة التي تلاها تعج بجملة من المغالطات ومحاولة طمس واقع شديد المرارة عاشه ويعيشه أيام العيد كبار السودان وأطفالهم. واقع يلعب الجنرال عبد الفتاح البرهان وزمرته دور قائد الأوركسترا في رسمه وتنفيذه. يبدأ الرجل كلمته بجملة تقريرية حملت من التدليس و”الطبطبة” ما لا يحتمل ! يقول 🙁 تأتي عملية التغيير التي تنتظم السودان الآن في ظروف بالغة التعقيد ، نحتاج فيها لحكمة، حتى نتمكن من العبور بأمان ، ونمنع البلاد من الإنزلاق للفوضى والإضرار بمصالح الوطن والمواطن، ومن ثم تهديد الأمن الوطني.)
والسؤال الذي نوجهه للجنرال ولمن يزودونه بالنصح ، بل ويدبجون له مثل هذه الخطابات التي تحمل له ولمجلسه من الإدانة أكثر من التهدئة – السؤال الذي نوجهه للجنرال ومن يقف خلفه في السر وفي العلن: من الذي كان وما يزال يمسك بناصية الحكمة ويعلنها: ” سلمية .. سلمية” حتى ورصاص الزنادقة الملتحين يحصد أرواح أبنائه وبناته على مدى ستة أشهر إلا بضعة أيام؟ أأنتم أم شعب السودان الباسل؟ من الذي عض بالنواجذ على الصبر وما حاق به من تنكيل وحيف ومحاولة لدفعه لأتون العنف، وقد صبر ستة أشهر كاملة وهو يفقد الولد والبنت والأب بل والطفل حتى يسلم الوطن من الإنزلاق للفوض؟ أأنتم أم شعبنا؟ ومن الذي كاد يفوق سيدنا أيوب في الصبر على الأذى والضرب بالعصي بل ومواجهة مطر الرصاص الجبان بكل بسالة وما فتيء يهتف “مدنية ..مدنية..مدنياااااااو” بل لم يبادل قاتله المدجج بالسلاح بغير الهتاف بالسلمية وضبط المواكب الهادرة حتى لا تخرج واحدة من أكبر الثورات من إيقاعها الحضاري الراقي إلى ما يجر بلادنا بل وربما المنطقة بأسرها إلى الفوضى؟ من؟ أهو شعب السودان على أمتداد رقعة الوطن العريض أم هي ثلة الجنرالات الذين تتزعمهم ، وقد جاءوا في آخر المضمار لينقذوا ما يمكن إنقاذه لنظام من أقبح الأنظمة التي شهدتها بلادنا عبر تاريخها الطويل؟ ومن الذي يهدد سلامة الوطن الوطن والمواطن إبان هذه اللحظة التي ما جف حبرها: رتل الشهداء الذين كل ذنبهم أنهم اعتصموا سلمياً أمام قيادة جيش البلاد بحسبان أنه سيحميهم وهم العزل إلا من الإرادة ببناء سودان جديد يعمه السلم والحرية والرخاء أم عسكرك وعسكر نائبك الأمي الذين هجموا على المعتصمين السلميين صباح آخر يوم في شهر الصوم الفضيل ليشبعوهم موتاً ويغتصبوا نساء وصبيات ، ويحرقوا الخيام على النائمين، ويلقوا ببعض الجثث في النيل؟ صحيح الإختشوا ماتوا يا عبد الوهاب البرهان!!
وفي كلمته “التحفة” لا يفوت رئيس المجلس العسكري الذي طلع علينا ببيان قبل يومين يلغي فيه كل ما توصل إليه وقوى الحرية والتغيير من نقاط لقيام السلطة المدنية، لا يفوته وهو ينهي الحوار بينه وبين ممثلي القوى التي صنعت الثورة التي يدعي كذباً أنهم في مجلسهم الشؤم جاءوا لحمايتها والإنحياز لها ، لا يفوته في كلمته أن ينادي بأنّ (أيَّ طرف يجب أن يتنازل للوطن ومن أجل الوطن فقط!!) ويضيف بأن علينا (طي صفحة ، وفتح صفحة جديدة !!!!) وأن علينا أن نأخذ تجارب أمم من حولنا مثل جنوب أفريقيا ورواندا !!
أودُّ أن أقول لرئيس المجلس الإنقلابي ومن يزودونه بالنصح للإجهاز على ثورة ولدت بأسنانها، أقول له ولمن يرسمون الخطة تلو الخطة لتحويل بلادنا إلى ثكنة مليشيات على غرار بلاد ما دخلوها (إلا جعلوا أعزة أهلها أذلة) ، وما حشروا أنوفهم في شأن من شئونها إلا وأحالوها إلى أرض خراب ينعق فيها البوم- أود أن أقول له ولهؤلاء الذين يجهلون تماماً ثقافة وتاريخ شعبنا، بأنّ رهانكم هذه المرة خاسر. وأن ثورتنا المدنية الحضارية السلمية ستربح، وستدهشكم مثلما أدهشت العالم من حولنا اليوم. شعبنا سيربح الرهان.. وقريباً جداً بإذن الله.
وختاماً إسمعوها بوضوح يا مجلس أمن النظام المباد ومن يحلمون بالتسلق لعرش السطة على أكتافكم..إسمعوها بوضوح: لقد كتبتم نهايتكم بأيديكم. فأنتم ومن جلبتم من حشود المغامرين من النيجر وأفريقيا الوسطى وتشاد – وأعني هنا الجنجويد وبوكو حرام وكتائب الظل وأمن صلاح قوش، أنتم وهؤلاء لن تقدروا أن تدوسوا على أمة كاملة قوامها قرابة الأربعين مليون مواطن ، يحبون وطنهم ويتفانون من أجله! وأضيف بأننا لم نقرأ قدر ما قرأنا في كتب التاريخ أن عصابة من العصابات مهما كان بأسها قد غلبت أمة بأكملها !
الآن وقد دفعتم شعبنا ليشهر أخطر أسلحته السلمية – سلاح العصيان المدني – نتحداكم أن تكونوا بحجم المعركة!