سيبقي فجر يوم
الاثنين ٢٩ رمضان الموافق ٣ يونيو تاريخا فارقا في مسيرة العمل السياسي السوداني، قمة
في الاجرام تواضعت أمامها جرائم عديدة سابقة عرفتها الذاكرة الوطنية عبر الأجيال، وستمثل
فراقا بائنا بين كل مجموعات الإسلام السياسي في السودان والشعب السوداني والي الأبد.
الذي حدث وتم من
جريمة هو فوق تصور البشير، انها مجزرة ومقتلة وجريمة متعددة الأشكال، تشبه الي حد كبير
مجزرة كرري، من حيث الشكل وربما اعداد الجثث والجرحى، فقط الفرق بينها وكرري ان كرري
كانت بين متحابين كانوا مهيئين للقتال وكل منهم يحمل سلاح كان غير متكافئ. لكن الذي
حدث في ٢٩ رمضان جريمة بين مجرم في كامل الاستعداد والجهوزية وضحية كان مستأمنا ونائما.
هي جريمة تم التفكير
والتخطيط والتنفيذ لها بروح لا علاقة لها بالبشرية ولا أخلاق وقيم أهل السودان، بروح
انتقامية، دموية، شيطانية.
ولابد أن الذين
قاموا بها قد تم اعدادهم لهذه الجريمة وتهيئتهم لها لأيام، وربما عن طريق تغييب كامل
لعقولهم.. يمكن ان يقدم شخص واحد على فعل جريمة تحت ظروف غبينة وفي محاولة للثأر ورد
للكرامة مثلا، ولكن لا يمكن أن تقدم مجموعة او جيش يتجاوز عدد افراده العشرة الف ويهجموا
في سلوك بربري على ناس من بني جلدتهم فيقتلوا بدم بارد وبلا مواجهة ولا مقاومة ولا
قتال، ثم يسحلوا الجثث ويتفننوا في أساليب القتل حرقا وذبحا ودهسا بالسيارات، بشكل
وحشي، ثم يرموا بالجثث في النيل في سلوك إجرامي لإخفاء الجريمة. ويعتدون بالاغتصاب
في أيام رمضان على كل الحرائر من بنات السودان، وتخطيط وترتيب إجرامي مفصل من قادتهم
الذين تم توجيههم من قبل قادة المجلس العسكري؟؟
والسؤال المهم
ما هي الجريمة التي بسببها تستحق كل هذه النفوس الطيبة والبريئة من الشباب السوداني
النضر كل هذا القتل والابادة؟؟؟؟؟
والجواب في رأي
أن ما تم يؤكد أنها جريمة خطط لها بإتقان وترتيب محكم، وتم تنفيذها بسلوك يشير الي
ارواح مجرمة اعتادت على هذا النوع القتل بدم بارد حتى استمرأته فأصبح عندها اعتياديا،
وإلا لما حدث ما حدث.
وباستعراض المشهد
يمكن القول ان هذا النوع من السلوك لا يمكن أن يصدر الا من مجموعتين اعتادتا على مثل
هذه الأفعال في السابق خلال حكم الانقاذ:
اولا: مجموعة يمكن
ان تمثيلها مجموعات القتل انتقاما للمعارضين التي عرفت بها جماعة الاتجاه المسمى إسلامي
من التيار الانتهازي التابع للترابي، وقد عرفت بارتكابها لعدد من الجرائم الفردية المتشابهة
في الجامعات في اطار المنافسة بالجامعات، ومع المعارضين السياسيين لحكومة الانقاذ.
ويمكن فهمها ايضا في اطار دفاع هذه المجموعة عن السلطة بواسطة كتائب القتل في الأمن
الوطني وكتائب الظلام المؤدلجة التي تقاتل انتقاما من الذين نزعوا منها السلطة، كما
أشار لذلك على عثمان طه في اللقاء التلفزيوني.
والمجموعة الثانية
المؤكدة هي مجموعة الجنجويد في الدعم السريع بقيادة حميدتي، التي تدربت على ارتكاب
هذه الجرائم في دارفور، ولابد ان ما تم في دارفور كان أفظع وأكثر فظاعة، لأن من خطط
ان الخرطوم ليس دارفور..
ان ما حدث من اختلاف
بين المجلس العسكري وقيادة الثوار هو اختلاف مدني حول الرؤى، وما كان يستخدم فيه الثوار
وقادتهم، غير الأساليب المدنية المعتادة، التي أقساها تعبيرا كانت بعض الكلمات والاستفزازات
اللفظية، وهو فعل لا يستدعي هذا النوع من التعدي الواسع. ولو أراد المجلس العسكري فض
الاعتصام بشكل عنيف، فكان يمكن ان يتم ذلك بشكل مختلف، وبواسطة الشرطة وبلا جرائم انسانية
لم يشهد السودان مثلها من قبل.
هل كان قادة المجلس
العسكري مغيبين؟ ام كانوا تحت التأثير والاستدراج القوى من جهة او عدة جهات؟؟ والجواب
ان العمالة وحدها في تقديري لا تقف مبررا كافيا لارتكاب جريمة كالتي تمت، لأنها بلا
شك تشكل عائق لتنفيذ خطط الذي يدفع للعميل، فيخسر المحرض الهدف الذي دفع للعميل المال
من أجله ويخسر ما دفع من مال.. واعتقد ان من وراء هذه الجريمة غبائن عديدة اتحداها
غبينة الذين حرمتهم ثورة الشعب وخلعتهم من السلطة، وهو ما يشير الي وجود تواصل قوي
ومستمر وتخطيط مشترك فيما بين المجلس العسكري ورؤوس الاجرام من قيادة النظام السابق
وعلى رأسهم البشير وعلى عثمان ونافع على نافع وآخرين، ولكل منهم هدفه في ذلك. فمنهم
من يحلم بالعودة مجددا على رؤوس الاشهاد كالبشير، ومنهم من ينتقم في محاولة للكس ارادة
التغيير ليمكن للمجلس العسكري، حتى يسلم من العقاب الذي ينتظره على ما ارتكب من جرائم
واسعة خلال مدة حكم الانقاذ، ومنهم من يشعر بالمرارة لأن خصومهم في الفكر والسياسة
قد دحروهم، وجلسوا مكانهم السابق وأصبح بيدهم القرار، فأشعل كل ذلك في نفوسهم نار الغل
والخنق والغيرة ووجدوا فيما طلبه منهم المجلس العسكري فرصة للانتقام لأنفسهم المريضة.
ولكن الأدهى والأمر
على النفس البشرية السوية، ما تم رصده من ردود أفعال بعض أدعياء الإسلام علي هذا الفعل
الإجرامي اللاإنساني والشنيع، من فرحة وغبطة وطرب كادت ان تجعلهم يرقصون لولا ما يتطلب
دورهم التمثيلي المدعي للإسلام. ومن هؤلاء مثلا لا حصرا يأتي عبدالحي يوسف والطيب مصطفى.
وهو رد فعل بلا ادني شك قد خسروا بسببه اي علاقة لهم بالله وبالشعب السوداني، ووضعهم
في تساوي تام مع الفاعلين المباشرين للجريمة البشعة، وأخرجهم من اي دور كانوا ينشطون
فيه حتى ولو ادعاء.
الذي تم ارتكابه
فعل شنيع، وضع المجلس العسكري في خانة المجرم، وخلع عنه اي شرعية اكتسبها في السابق
بعد انحيازه للثورة السودانية، ولم يعد بعد يوم الاثنين ٢٩رمضان شريكا مؤهلا أخلاقيا
وموضوعيا، للقيام بأي دور في الحاضر او المستقبل. كما أن هذا الفعل الشنيع الذي قام
به المجلس العسكري وأشرف عليه، قد القى على قوي الحرية والتغيير مسئولية عظيمة وأكبر
من ذي قبل كممثل مؤتمن على مالات الثورة، وتتمثل هذه المسئولية الجديدة في ضرورة رد
الحقوق والاقتصاص من المجرمين علي المظالم التي وقعت على الثوار، ابتداء من بداية انقلاب
الانقاذ وخاصة في يوم الإثنين ٢٩ رمضان.. والأدهى والأمر ان المجرم هذه المرة هو الشريك
المفترض في الشأن الوطني، المجلس العسكري، والذي انتقل بسبب ما قام به من جريمة، من
موقع الشريك في قيادة الدولة الي موقع المتهم بارتكاب الجرائم، الشيء الذي يضع قوى
الحرية والتغيير في موقف يجعلها في تقابل مع المجلس العسكري، فضلا عن الجلوس والحوار
معه مهما كانت المبررات..
وهذا الموقف المطلوب
من قوى الحرية والتغيير لم يعد موقفا سياسيا، وانما موقفا انسانيا وأخلاقيا ومسئولية
تاريخية امام الله وامام الشعب وامام أهل الضحايا من الشهداء والجرحى والمغتصبات..