قبل 3 أيام لزمت قسم الطوارئ في المستشفى الأهلي في الدوحة، بعد ان أصبت باضطراب في ضغط الدم وضربات القلب، ولكن تخطيط القلب وتحليل الدم أثبتا براءة قلبي من شبهة محاولة الغدر بي، وسألني الطبيب ما إذا كنت قد تعرضت لضغط نفسي او عصبي مؤخراً، وعلى الفور قلت له: كدا جبتها، فأهل بلدي جميعا يتعرضون للقتل والسحل والمهانة والإذلال والبطش العشوائي- وغادرت المستشفى.
وانتبهت منذ يومها أن جرعة الغضب بسبب مجازر 29 رمضان وما بعدها صارت أقوى عندي من الحزن، وما حدث في 29 رمضان أبشع مما يتصوره الكثيرون فالأمر لا يتعلق فقط بالحزن لمقتل أكثر من مائتي شخص، وإصابة أكثر من خمسمائة، بل بأنهم تعرضوا لمهانة لا تليق بآدمي حتى وهم موتي أو جرحى ينزفون، أمامي الآن قائمة بأسماء 72 شخصا مع أرقام هواتفهم كانوا معتصمين أمام مقر الجيش صبيحة الغدر الهمجي واختفوا منذ يومها، وبالتأكيد صاروا اليوم طعاما للأسماك لأن جثثهم لم تظهر على شواطئ قرية الفكي هاشم كما ال45 جثة التي تم العثور عليها وهي مثقلة بالطوب الأسمنتي.
وأمر الغضب يتعلق أيضا بأن يموت إنسان مظلوما ثم لا يجد من يواري جثته، ويتعلق كما تفيد أقوال شهود عيان بالطريقة التي قتلوا بها، كما حدث لأربعة أطباء: أطلق الجنجويدي النار على احدهم وهو مصاب فقالت زميلته: حرام دا مصاب فصرعها بطلقة في الراس، ثم انتزع لابتوب من يد طبيب آخر، وأطلق النار على رأسه، ويتعلق بجريح في مستشفى أبراهيم مالك ضربوه بالرصاص ثم وقف ثلاثة من الكلاب المسعورة وتبولوا فوق جسمه، وأخرين أجبروهم على شرب ماء المجاري والتمرغ في الوحل قبل إطلاق النار عليهم، وباغتصاب نساء ورجال – أكرر رجال- وفي رمضان، ويتعلق بالقتلة الأوباش يجوسون في ميدان الاعتصام مطلقين النار ويصيحون وهم يقهقهون: تقولوا كل البلد دارفور؟ سوينا ليكم الخرطوم دارفور.
والعالم كله يشهد على صنوف التنكيل التي يتعرض لها المواطنون السودانيون في عاصمة بلادهم على أيدي الجنجويد بعد المجزرة ثم يصدر المجلس الانقلابي بيانا تافها يشيد فيه بوطنية الجنجويد واضطلاعهم بمهام حفظ الأمن ومنع الفوضى بينما قائد الجنجويد يجلس في ممسكا بكافة خيوط الفوضى يحركها لزرع الرعب في نفوس زملائه في المجلس العسكري قبل غيرهم، فقد أثبتت الوقائع أن حميدتي هو الرجل الأقوى في المجلس الانقلابي لأن أعضاءه بلا سند في القوات المسلحة ويعتمدون على الجنجويد للمحافظة على كراسيهم الوثيرة في القصر.
اعترف عسكر المجلس الانتقامي من حيث لا يدرون بارتكابه مذبحة 29 رمضان لأنه قام بتعطيل خدمات الإنترنت لمنع تسريب المشاهد المروعة لموقع المجزرة الى الخارج، وساهم الأغبياء بذلك في العصيان المدني لأن العمل توقف في جهات كثيرة لعدم وجود خدمة الانترنت.
مجلسهم هذا هين وهوين بدرجة أن واشنطن تخاطبه عن طريق الأمير خالد بن سلمان في الرياض وأنور قرقاش في أبو ظبي، وبدرجة أن رئيسه البرهان زار اديس أبابا مقر الاتحاد الأفريقي فاستقبلته في المطار وزيرة الشؤون الاجتماعية، وقريبا يا البرهان سيزورك محققون جنائيون ليسألوك عن مجزرتي 8 و29 رمضان، وستكون وقتها بلا حصانة أو حصان، وستحس بلسعة العصيان القارصة ابتداء من يوم غد الأحد 9 يونيو، وبعدها تتحول اللسعة الى “لبعة” ولن يفيدك عندها تهديد او وعيد أو جنجويد.
غدا ينبغي أن نصيب مفاصل الحياة في البلاد بالشلل مدركين ان خلاص البلاد من العسكر سيكون بالعصيان، وبالتالي فالحل في الشل.
(لابد من ان يسهم الجميع في توثيق الممارسات الوحشية التي شهدتها عاصمة بلادنا في ومنذ 29 رمضان).