المجلس العسكري الانقلابي يكذب أعضاؤه كما يتنفسون،
فهم يقلبون الحقائق الواضحة للعيان رأساً على عقب، ويستخفون بالناس وأفهامهم،
ويظنون أن أفعالهم المشينة لا يراها أحد، وأنهم يستطيعون تزيينها بمعسول الكلام،
ودغدغة المشاعر.
وآخر بيان لهذا المجلس التعيس يفصح عن محاولة لممارسة
المكر، وأقول محاولة، لأن تواضع فكر أعضائه وثقل فهمهم لا يتيحان لهم أن يرتقوا
إلى فعل المكر الذي ينطلي على الناس.
وهذا البيان مثل بيانات المجلس السابقة يمثل مقدمة
واضحة لانتهاكات يريد ارتكابها تحت أستار الحفاظ على الأمن، وضمان مصلحة الوطن
والمواطنين، وترسيخ هيبة الدولة، وغيرها من الشعارات الفارغة التي ظل يطنطن بها
منذ أن منّ على الشعب بأنه حماه من إزهاق ثلثيه.
ومثل هذه الشعارات استخدمت في مجزرة فض الاعتصام، حين
زعم المجلس الانقلابي أنه يهدف إلى استتباب الأمن بالقضاء على
“كولومبيا” التي صنعها النظام البائد، وتعامى عنها، وتعايش معها، وترك
لأهلها مهاجمة الآمنين، وترويعهم، ثم جاءت للمجلس صحوة ضمير، لكي يقضي عليها، وهو
الذي خطط ودبر لاغتيال المعتصمين الأبرياء، والقضاء على أحلامهم في وطن معافى،
يستظل بالحرية والسلام والعدالة.
وبيان لجنة الأمن والدفاع بالمجلس العسكري العاجز لغةً
ومعنى يريد أن يلصق جريمة الفض المروعة بقوى الحرية والتغيير، بادعاء أنها كانت
على علم بالفض، في حين أن اللجنة تزعم في البيان نفسه أن “القوات المسلحة
وقوات الدعم السريع والقوات النظامية الأخرى قررت في الثالث من يونيو تنظيف محيط
منطقة الاعتصام المعروفة (بكولمبيا) من المتفلتين لضمان سلامة المعتصمين وحماية
ارواح وممتلكات المواطنين الذي يستخدمون الطرق التي تعبر هذه الجيوب، وقد نتج عن
هذه العملية صدام مع هذه الفئة راح ضحيته نفر من ابناء السودان”، أي لم تكن
هناك مجزرة وإنما سقوط الشهداء قتلاً وحرقاً وغرقاً كان بسبب صدام مع فئة منفلتة،
قف تأمل.
وتظن هذه اللجنة البائسة صنيعة النظام البائد أنها
بذلك تبعد مسؤولية الجريمة النكراء عن المجلس، والقوات النظامية، والجنجويد بشكل
أخص، وقد خدعهم جهاز الأمن الماكر، ورمى بهم في أتون هذه الجريمة ليصطلوا وزعيمهم
بنيرانها التي حاصرتهم وحاصرت المجلس من كل صوب وحدب.
وتريد اللجنة البائسة شيطنة الثورة التي شهد بسلميتها العالم، وجاء ممثلو الدول المتقدمة والمنظمات العالمية من سفراء وقناصل ومسؤولين مقيمين وزائرين في ساحة الاعتصام، ليعبروا عن إعجابهم وانبهارهم بدقة النظام، ورقي التعامل بدءاً من “ارفع ايدك فوق والتفتيش بالذوق”، ومروراً بكرم الضيافة، ثم حفاوة التوديع، حتى أصبحوا هم الذين يريدون شرف التقاط الصور مع المعتصمين، اعتزازاً بما يقومون به من عمل سامٍ في سبيل حفظ حقوقهم في وطنهم، وتحويل مساره إلى المسار الصحيح، حيث “الحرية والسلام والعدالة”.
إن اللجنة وهي تبرئ ساحة الجنجويد الذين يرتكبون
جرائمهم في وضح النهار ويغتالون المواطنين، بل يتعدون على منسوبي القوات المسلحة
وقوات الشرطة والموظفين، تحاول أن تجرم العصيان المدني، ومحاولة المواطنين حماية
أنفسهم من بربرية الجنجويد واعتداءاتهم التي تريد إذلال المواطنين في بلادهم،
والنيل من كرامتهم في وطنهم، وهم القادمون من كل فج عميق، بل إن السودانيين منهم
أياديهم ملوثة بدماء أبناء جلدتهم.
وتحاول اللجنة المجرمة في استماته أن تلصق جرائمها
بقوى الحرية والتغيير وتدعي أنها وراء عصابات “النقرز” التي وجدت في عهد
النظام البائد، واستغلها المجلس العسكري لترويع الآمنين، حتى تجد مجالاً لشيطنة الثورة
المجيدة، بل تدعي اللجنة أن قوى الحرية والتغيير تستخدم الأطفال، وهي تدرك أن لجان
المقاومة في الأحياء هي لجان شعبية تتشكل بعفوية بالغة، ولا إجبار فيها لأحد.
إن اللجنة تدرك أن الشعب السوداني الذي يعايش أفراده
مجريات الثورة سواء أكانوا في داخل الوطن أو خارجه لن يصدق مثل هذه الترهات، إلا
أنها تحاول التذاكي وإرسال رسائل إلى العالم الخارجي حتى تسوغ جريمة المجلس
النكراء في حق المعتصمين، وتريد أن تبرئ الجنجويد الأجلاف الذين تصدروا مشهد
الجريمة، وأصبحوا تحت أنظار العالم، وقد تحرك السودانيون في الخارج لإثبات أركان
الجريمة وتحديد مرتكبيها بدقة بالحقائق والبراهين.
وزادت اللجنة بهارات المكر أو محاولتها لممارسته
باتهام قوى الحرية والتغيير بإثارة الفتنة بين القوات النظامية، بل تستميت في
الدفاع عن قوات الدعم السريع “الجنجويد”، وتدعي أن تلك القوى “عملت
على تعبئة المواطنين ضدها رغم فعاليتها الكبيرة فى تأمين حياة الناس وحماية
ممتلكاتهم وانحيازها من اليوم الاول الى خيار الشعب ورفضها التام الاعتداء على
المحتجين وفض الاعتصام”.
وهنا تنفي اللجنة جريمة مجزرة الفض عن الدعم السريع،
ولم تحدد من ارتكبها، في حين أن القاصي والداني في العالم شاهد بأم عينيه من ارتكب
الجريمة وكيف.
وتستمر اللجنة في الاستعباط والتذاكي وتدعي أن القوات
النظامية فقدت شهداء بسبب قوى الحرية والتغيير، ولم تحدد بأي سلاح، وهي التي لا
تملك غير سلميتها، وقوة حجتها في مواجهة جبروت العسكر، الذين يفرون فراراً من
جريمتهم التي شاهدها العالم، والتي نالت من القوات المسلحة أكثر من غيرها، وهي
عاجزة عن حماية المواطنين الذين ظنوا أنها ملاذ الوطن الآمن في وقت الشدائد.
وتريد اللجنة أن توجد فوضى في البلد بادعاء “وجود
مجموعات منظمة بدأت الاعتداءات على مقار الشرطة ونقاط الارتكاز”، واصفة إياها
بأنها “مدفوعة الأجر من جهات معينة تجمعت في المدن”، وادعت أنها “تسعى
الآن بهذه المحاولات إلى الحصول على السلاح ونقل معاركها ضد القوات المسلحة وقوات
الدعم السريع إلي داخل العاصمة والمدن الكبرى”.
وهذا البيان ينذر بانتهاكات جديدة تشمل اعتقال أعضاء
قوى الحرية والتغيير، وإشعال معارك في العاصمة والمدن، وإيجاد فوضى عارمة من أجل
أن يكتسب المجلس شرعية الاستمرار في الحكم، بعد أن فقدها بعدوانه الآثم على
الأبرياء، مع التركيز في إعلاء الجنجويد ورئيسهم على حساب قوات الشعب المسلحة
وقوات الشرطة.
ويبدو واضحاً أن هذا المجلس ولجنته للأمن والدفاع يحركهما حميدتي كيف يشاء، وهذا ينذر بكارثة تستدعي تكاتف الجميع في درئها، وآمل أن تتمعن قوى الحرية والتغيير في قراءة هذا الخطاب الذي يمهد لمرحلة جديدة تبدو أكثر صعوبة ووعورة عما قبلها.