منذ انطلاق الثورة السلمية، يتابع السودانيون في برلين تطور الأحداث في الوطن ويشاركون في المظاهرات واقامة المحاضرات والندوات ورصد ما يصدر في الصحافة الالمانية عن مسار الثورة السلمية، التي وجدت اهتماماً غير مسبوق شاركت فيه العديد من الصحف والمجلات الاسبوعية الشهيرة ومراكز الابحاث.
بدأت سلسة المحاضرات بالمحاضرة التي قدمها جعفر سعد بمشاركة كاتب هذه السطور بدعوة من الملتقى العربي للفكر والحوار، متعرضا اولا لتاريخ السودان الحديث وتكوين الأحزاب السياسية، قبل ان يستعرض الوضع الراهن، ثم اعقبتها ندوة مفتوحة عن آفاق الثورتين السودانية والجزائرية في ظل التدخلات الخارجية.
كما نشير الى الندوة التي اقامها النادي السوداني بتاريخ 30 مارس 2019 احتفالا بيوم المرأة، بدأت بمداخلة من الدكتورة آسيا سيد أحمد، اعقبتها محاضرة ضافية قدمتها السيدة شادية عبد المنعم عن تاريخ الحركة النسوية ونضالات المرأة السودانية، التي لم تتوقف طيلة الثلاثين عاما من حكم الانقاذ البغيض، رغم الملاحقة والتكييل والسجن للناشطات ولذلك ليس مستغربا، أن تكون المرأة السودانية في طليعة الحراك الشعبي والثورة السلمية.
شارك كاتب هذه السطور مع الكاتب والناقد الفلسطيني حسن خضر في ندوة ” العالم العربي الآن ” بدعوة من منتدى بغداد للثقافة والفنون والجمعية الأدبية السودانية بتاريخ 13 أبريل 2019، بمداخلة حول الوضع في السودان ومشيراً الى الاعتصام الناجح امام مقر القيادة العامة للجيش والذي يمثل أداة ضغط قوية على المجلس العسكري الانتقالي، الذي يراوغ ويماطل أثناء التفاوض، من أجل كسب الوقت بدلا من الانحياز الواضح للثورة.
وجدير بالتنويه تلك المحاضرة الهامة التي قدمتها السيدة إيمان أبو القاسم سيف الدين بلغة انجليزية ناصعة بتاريخ 11 مايو 2019، بدعوة من مؤسسة ابن رشد للفكر الحر بألمانيا، التي اتشرف بعضوية لجنتها الاستشارية. تقول إيمان :
“إن تعاقب الدكتاتوريات المستبدة في سدة الحكم في السودان تجلت في ثورة ديسمبر٢٠١٨ التي تتصل بمتن أزمتنا الوطنية و عجزنا عن تأسيس دولة سوية تنهض بجماعتها لإنسانية وتدير شأنها الوطني بحساسية أخلاقية و اجتماعية عالية .. مما أفسح المجال لاستدامة الحرب في جنوب السودان واندلاعها في دارفور كتعبير لرفض سياسات الدولة التي غابت عنها الديمقراطية. تعاقبت منظومات الإسلام السياسي التي لم تجحف في حق الإنسان فحسب، بل وفي منظومة الاقتصاد وإدارة الأرض والموارد الطبيعية والبشرية.
أن انتفاضة الشعب في ديسمبر قد أشعل فتيلها نقص الغذاء والوقود، ولكنها كانت في باطنها ثورة ضد الدكتاتورية والاستبداد والقهر الممنهج الذي سلكه نظام الإنقاذ.
تظل هذه الثورة المنفذ الوحيد الذي يمكن ان يفضي بالشعب السوداني إلى الديمقراطية ودولة العدالة والقانون… ومفتاح لوقف الحرب والنزاعات المسلحة في السودان.
إن المساعدات التي يقدمها الاتحاد الأوروبي لقادة بعض الدول الأفريقية ومن ضمنها السودان عبر برنامج عملية الخرطوم لوقف الهجرة كان لها أثر بالغ في تعضيد بعض المليشيات المسلحة، مثل مليشيات الدعم السريع التي أوكل إليها مكافحة المهاجرين. وقد نتج عن ذلك جرائم جسيمة بحق هؤلاء المهاجرين. لذا يتطلب الأمر ان يتعاون الاتحاد الأوروبي ويوقف عمليات التمويل التي يتشبع بها المليشيات التي تظل مسؤولة عن ارتكاب جرائم حرب وإبادة في دارفور…”.
وفي فقرة أخرى واصلت إيمان، إذ قالت ” أن الدعم الذي قدمته دول الاتحاد الأوروبي لحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير لمحاربة الهجرة تم استخدامه في تدريب وتسليح مليشيات الدعم السريع لتوفير الحماية للبشير. وترتكب مجزرة ضد المواطنين المعتصمين امام القيادة العامة في الخرطوم وتقتل المئات ومازال الوضع مزري في كل السودان بعد ان استولى قائد الدعم السريع حميدتي على الحكم في السودان. مما يشكل انتهاكا خطيراً لمبادئ الأمن والسلام الدوليين الذي يجب ان توفره أي حكومة لشعبها، وقد تلقى القبول من المجتمع الدولي ممثلة في الاتحاد الأوروبي، الترويكا وامريكا وبعض الدول الافريقية. استخدم حميدتي في 2018 الدعم المقدم له لمحاربة الهجرة في ارتكاب جرائم ضد المهاجرين والمواطنين. وصرح حميدتي انه نجح في محاربة ووقف الهجرة وأصبح حامي حدود أوروبا وطلب الاعتراف بالدعم السريع وطالب بالمزيد من الدعم ووعد باستهداف المعارضين في الخارج.
أرسل الدعم السريع في مايو ٢٠١٩، حوالي ٢٠٠ جندي الى إثيوبيا للتدريب على الطيران كما نشرت الصحف عن خطة لتأسيس خطوط جوية لها.مما يجعل مليشيات الدعم السريع خطرا محدقا بالأمن والسلام الدوليين كأول مليشيات تمتلك إمكانيات جوية “.
لقد تحدثت السيدة كرستينا بوخ هولس، عضوة البرلمان الالماني عن حزب اليسار بتاريخ 5 يونيو 2019 امام مظاهرة ضمت أكثر من 150 من السودانيات والسودانيين بالقرب من بوابة براندنبورج، مشيرة الى أن المجلس العسكري الانتقالي يريد ان يغرق الثورة في الدم ولكن عزيمة المتظاهرين لم ولن تنكسر، لقد غنوا وهتفوا ” حرية “، ” مساواة ” ، ” سلام ” و” ثورة”.
ونشير الى مظاهرة اليوم التالي امام وزارة الخارجية الالمانية، تنديداً بعنف القوى الأمنية والعسكرية ضد المدنيين العزل والى الخطاب الذي صاغه إبراهيم خطاب ومحمد الحبر مختار باسم تجمع المواطنين السودانيين في ألمانيا و الموجه الى السيد هايكو ماس وزير الخارجية، نقتطف منه:
” نرحب بحقيقة أن وزارة الخارجية الفيدرالية تدين بوضوح العنف الذي تمارسه قوات الدعم السريع والجهات الفاعلة الأخرى المسؤولة عما يسمى “المجلس الانتقالي العسكري” ، وتدعو إلى رد دولي على مستوى الأمم المتحدة وتطالب بنقل السلطة إلى حكومة مدنية و دعم عملية الانتقال التي يقودها المجتمع المدني السوداني، مع التركيز بشكل خاص على الفئات المهمشة من أجل السلام والاستقرار المستدامين في السودان وكذلك دعم لمبادرة قوى الحرية والتغيير لتشكيل حكومة مدنية لفترة انتقالية من ثلاث سنوات لوضع إطار لديمقراطية مستقرة ودائمة بعد ذلك الوقت “.
ونذكر هنا الندوة المفتوحة التي دعت لها اللحنة التنفيذية للجالية السودانية \ برلين براندنبورج بتاريخ 7 يونيو 2019 ، والتي قام بافتتاحها جمال صالح رئيس اللجنة التنفيذية بمداخلة قصيرة راسماً مسار الندوة التي اتصفت بالحيوية والتنوع و عكست وجهات النظر العديدة حول تجاوز المنعطف الخطير الذي يمر به الشعب وامكانية وتكثيف تعاونا ونشاطنا في الأيام القادمة. و بيان اللجنة التنفيذية الذي سوف يوجه للمستشارة الالمانية السيدة انجيلا ميركل، نقتطف منه:
” منذ أن قام المجلس العسكري في الخرطوم باجتياح مخادع وغادر وقاتل لفض الاعتصام السلمي أمام مقر القيادة العامة للجيش بالقوة حاصداً 113 قتيلا و500 جريحاً ومعوقاً، انعطفت الثورة السودانية السلمية الى منحدر خطير وخاصة بعد مواصلة قوة الدعم السريع بالتنكيل وزرع الرعب وارهاب وإذلال المواطنين و انفراط عقد الأمن والأمان.
أن اللجنة التنفيذية للجالية السودانية برلين \ براندنبورج ، تعلن عن شجبها الشديد واحتجاجها الصارخ على هذه الجريمة النكراء و البشعة و تساند بكل قوة نضال الشعب السوداني السلمي من أجل تحقيق الديمقراطية والحرية والمساوة وحقوق الانسان وكرامته، حسب الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمواثيق الدولية ونهيب بالحكومة الالمانية بأن تقف موقفاً صريحاً وجاداً ضد الانقلاب العسكري وعدم الاعتراف به وعدم التعاون معه بأية ذريعة كانت. بالرغم من فشل مجلس الأمن في اصدار القرار المناسب بإدانة المجلس العسكري، فأننا نطالب الحكومة الالمانية بمواصلة التشاور مع اعضاء مجلس الأمن و المجتمع الدولي بمساندة قرار مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الاِفريقي بتعليق عضوية السودان ونحيي قرار الاتحاد الأوروبي بانضمامه الى الاتحاد الأفريقي في الدعوة إلى وضع حد فوري للعنف وأجراء تحقيق دولي فوري في الأحداث الاِجرامية التي صاحبت فض الاعتصام وإعلان نتائجها على الملأ ومحاسبة الفاعلين وتحريم تصدير السلاح الذي يستخدم لقتل بنات وأبناء شعبنا. وان تواصل الحكومة الالمانية علاقتها مع قوى المعارضة السلمية متمثلة في الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني ومساندتها من اجل انتصار الثورة السلمية وارساء الحكم المدني، بتشكيل حكومة مدنية لوضع دستور جديد يضمن استقرار السلم والأمن لكل المواطنين وترسيخ قيم الحرية و الديمقراطية للشعب السوداني “.
وفي برلين تحرك العرب من غير السودانيين أيضاً ونشروا المقالات المساندة لثورة الشعب السوداني والاحتجاج على أعمال البطش بالحديد والنار والقتل المروع للثوار المسالمين بهدف فض الاعتصام في الخرطوم، كما أصدر العرب في برلين بياناً تضمن حملة لجمع التواقيع لدعم حركة وثورة شعب السودان السلمية والديمقراطية والاحتجاج الشديد والإدانة الحازمة لغدر وخيانة المجلس العسكري لقوى الثورة السودانية المقدامة وللمهمة المركزية التي تواجه الثورة مهمة إقامة الدولة الديمقراطية الدستورية الحديثة والعلمانية ومجتمع مدني ديمقراطي حديث.
اما فيما يتعلق عما نشرته الصحف والمجلات الالمانية، فأن كاتب هذه السطور قام بالترجمة الكاملة لها وتم نشرها في مواقع الانترنت السودانية والعربية وكما نشرت أيضاً في صحيفة ” السوداني” الورقية في الخرطوم، يمكن العودة اليها في تلك المواقع (نذكر هنا فقط عناوين المقالات):
” الصراع على إفريقيا “، هانز براندت ــ مجلة السياسة الدولية عدد مارس \ أبريل 2019 .
” هل لدى السودان فرصة لحرية حقيقية بعد سقوط الديكتاتور”، أندريا بوُم، الصحيفة الاسبوعية ــ دي سايت 17 أبريل 2019.
” الربيع الثاني، العالم العربي: الانتفاضات الشعبية في السودان و الجزائر تطيح بالبشير وبوتفليقة وتذكر بالثورات العربية عام 2011، هل هي فرصة أم خطر على الغرب؟ ” مجلة دير شبيجل 20 أبريل 2019 .
” ثورة سلمية في السودان
الاحتجاج المدني لديه تقليد طويل. الآن هو ضد الجيش لأنه قد يعرض الانتقال الديمقراطي للخطر”،
جيوفانا ليلي، لوموند دبلوماتيك، الطبعة الالمانية مايو 2019 .
ونعرض هنا ايضاً ما استجد منها بإيجاز، كرؤوس اقلام على أن نعود الى ترجمتها في الأيام القادمة:
” نواة الثورة “. ” أنا لن أغادر، لدي مطالب ” شعار الثورة، السودان 2019 ــ مجلة دير شبيجل عدد 20 11 مايو 2019.
” بعد ثلاثين عاما انتهت الديكتاتورية الغاشمة، صورة عن قرب لثورة بين الأمل وعبء المسؤولية” ” ــ فولفجانج باور، دي تسايت 29 مايو 2019
“مجزرة في السودان، لقد انتهى ربيع الديمقراطية،
ليس للجيش السوداني مصلحة في التحول إلى مزيد من الديمقراطية. بدلاً من ذلك” ، كريستوف سيدوــ شبيجل أون لاين 3 يونيو 2019.
” حركة الديمقراطية تتراجع في السودان”، مجرمو الأمس هم مجرمو اليوم”، السودان من الحلم الى الكابوس”، دومنيك جونسون ــ دي تاجس سايتنج 6 يونيو 2019
” تهيمن البنادق والشائعات. تدريجيا يتضح حجم العنف، الخوف يسيطر على العاصمة السودانية”، ايلونا ايفلين ــ نيروبي، نشر المقال في نفس عدد الصحيفة السابقة.
” عودة الارهاب، بدأ الاحتجاج المدني ناجحا في السودان، والآن تم سحقه بوحشية”. فولفجانج باور ــ صحيفة دي سايت 6 يونيو 2019.
كما اود ان أشير الى المقابلة القصيرة التي اجرتها صحيفة دير شبيجل في 6 يونيو 2019 مع الدكتور مجدي الجزولي، بعنوان، السودان. ” أقصى حدود أوروبا الجنوبية”. يجيب مجدي على تساؤل المحرر عن تفسير هذا الانعطاف، بعد عزل البشير وسحق اجهزة الأمن الاحتجاجات بقسوة، شارحا بانه لم يحدث في الواقع انعطافاً ، فالجهاز بقى كما هو : الجيش، المليشيات الخاصة والمخابرات العامة. ويشير ــ مجيبا عن السؤال، لماذا يشعر المسؤولون في جهاز الأمن الأن بالقوة؟ ـ اعتماداً على دعم عربي. فالقضية اصبحت الآن ليست سودانية، وانما اقليمية.
ويصف الجزولي سياسة الهجرة الأوروبية بالكارثة، مشيرا الى حميدتي رئيس المليشيات و الوضع في ليبيا.
ويختم مجدي مقابلته بجملة معبرة، ” نحن السودانيين لا نطلب أموالاً أوروبية، لكن ينبغي على أوروبا أن تتمتع على الأقل بقدر من الاحترام بعدم دعم ميليشيا وحشية باسم سياسة الهجرة الخاصة بها.
” جنرال بلا رحمة. قائد الميليشيا السابق حميدتي يقرر مستقبل 40 مليون سوداني. لقد أثنى عليه الدبلوماسيون الأوروبيون، ذات مرة، كضامن للاستقرار “. بيرند دورز ــ صحيفة سودويتشا تسايتنج، 8 يونيو 2019.
الثورة مستمرة، الدخان الناجم عن حرق الإطارات في العاصمة السودانية الخرطوم قد بناه المتظاهرون كحواجز للاحتجاجات والإضاءة. الجيش يضع نهاية وحشية للتمرد.
لم يعلق وزير الخارجية هايكو ماس حتى الآن على الوضع في السودان. أدان متحدث باسم الحكومة الفيدرالية أعمال العنف يوم الاثنين وقال: “نحن ندعو شركاء التفاوض إلى تجنب التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات”. بدا الأمر كما لو أن المعارضة هي المسؤولة جزئياً عن عنف الميليشيات. هل هذه هي الكلمات الصحيحة عندما يحرق النظام الناس في الخيام ويغتصب النساء؟…
أصبحت دولة منبوذة مثل السودان ، المسؤولة عن الإبادة الجماعية وأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان ، شريكًا مطلوبًا في الحرب ضد الهجرة… يكتب خبير إفريقيا سليمان بلدو في دراسة ” مراقبة الحدود من الجحيم “. بيرند دورز، سودديتشا سا يتنج ، 11 يونيو 2019
واشير ختاما الى هذا الموقف النبيل، لسكان قرية جمبور برومانيا، عندما أقامت الكاتبة الالمانية من أصل مجري ايميكو ناجي معرضا في 9 يونيو 2019 لكتابها الموسوم ” رمال في عيوني “، وهو يحتوي على صور رائعة وقصص وأمثال وحكم من البادية ومن الحياة السودانية عامة، وكان من ضمن كُتاب الافتتاحية د. منصور خالد، كما كانت السيدة شادية عبد المنعم ضمن هيئة التحرير العربية، وصدر الكتاب باللغة العربية والانجليزية وشاركت السيدة شادية من برلين في افتتاح المعرض، وبعد نهاية العرض والقراءة ذهب جميع سكان القرية الى الكنيسة واقيمت الصلاة والدعوة ان يحفظ الله السودانيين من القتل وينعم السلام والمحبة في كل ربوع البلد.
لن تلين قناة و عزيمة شعبنا الأبي امام جبن عبد الفتاح البرهان وجبروت هذا الهمباتي الحقير حميدتي الدخيل على أعراف وقيم واخلاقيات الشعب السوداني المسالم والصابر والذي تعرض ولايزال يتعرض الى أحط انواع البطش والاستبداد.
برلين 11 يونيو 2019
hamidfadlalla1936@gmail.com