ونحن نتنسم عيد الفطر المبارك ، لا يسعني الا ان أتقدم بامنياتي القلبية لكم جميعا اخوان وأبناء ، اخوات وبنيات، وذلك بعد ان احي الآباء و الأمهات ، امنياتي بان يتقبل الله صيامكم وقيامكم و يعتق من النار رقابكم . تليها التهاني بحلول عيد الفطر المبارك الذي كانت تسابق فيه فرحتنا فرحة الاطفال .
تتداعى الذكريات عندي و محورها أعياد تلودي ، حين نلبس جديد الثياب ونتوجه للميدان بعد ان قمنا دغش مع طيور الليل بعد صلاة الفجر ونلف على الجيران نعيد ونهنئ وتختلج التبريكات و الدعوات باصوات اللقيمات او الزلابية وهي تسبح في جاكوزي الزيت و هو يغلي .
نعم دغش وبعد الفجر مباشرة تكون قد عيدت على الجيران .
حينما نرجع لبيوتنا نبدأ في الإعداد للذهاب الى الصلاة .
نتأبط بروشنا المضفورة بالحريرة . واخرين يحملون الشقة( السباتةً) الكبيرة المضفورة بسعف الدوم المنتشر على بطحة مدينة الليري . يتقاطر سكان مدينة تلودي صوب الميدان ، ونحن حينها كنا بحي ام جغينة الناحية الجنوبية لتلودي .
ننزل الشارع وهو يعج بالقادمين من السوق القديم فالسلامات فتلودي النوبة ، يأتون رجالا فرحين غير آبهين ببعد المسافة .
كان التجاني حكمة الله في خلقه يحمل عكازه مرتديا جلابية الدبلان البيضاء يرى بقلبه وهو يقطع تلك المسافة من تلودي النوبة الى السوق معتمدا على عصاة عادية وليست الكترونية او ملونة عاكسة للأشعة . تسلم عليه فيرد التحية باحسن منها فيوناديك باسمك . تجاني يميز الناس من اصواتهم كبيرهم وصغيرهم .
يعطوننا اهلنا فرحة العيد تعريفة او قرش او فريني و الميسور منا شلنق ولقد كنت من ذوي التعريفة ، فننتظر تجاني كي يمر لنتصدق بها له ونحن في قمة الفرح وهو يدعوا لنا بالتوفيق في المدرسة و للوالدين بدوام الصحة .
و هنالك ايضا عمنا صباحي ولقد تعودناه برداء البردلوب الرصاصي و البرنيطة التي تذكرنا بصور الإنجليز في كتب التاريخ ، نجده اليوم في ثياب ناصعة بيضاء و عمامة ذات ذؤابة تتدلى على صدره ، ممتطيا حماره الأغبش وفي يده قطعة بلاستيكية مرنة هي نصف متر من السيور التي تستخدم في ماكينات المحلج يهش بها على حماره ليسرع حتى يدرك الميدان قبل دخول الامام مولانا على القاضي طيب الله ثراه .
يتوجه الموكب صوب الميدان ويخرج علينا اهل السوق وهم طبعا اكثر مدنية منا يحملون السجاد و سباتات البلاستيك المزركشة .
ندخل الميدان ونترص ونبدأ في التهليل .
كان اخر عيد لي فيها تحدث الناس كثيرا بشمارات لا اصل لها تقول ان المتمردين الجنوبيين بقيادة الضابط قرنق وقد تمرد يخططون الهجوم على الناس وهم في صلاة العيد .
يتقاطر المصلون ويترصون في الميدان يصدحون بالتهليل و التكبير . أعيان تلودي في المقدمة و الشيوخ من حج منهم يلبس عقالا او يحمل شمسية وتلك كانت علامات لرمزية انه حاج يا للبساطة .
ماهي الا لحظات ونسمع زفة نوبة الشيخ بررة تنبعث من جنوب الميدان تنطلق من الجو و هو حي تتوسطه الانداية سبحان الله الدي يسلط الشُعَاع وسط الظلمة فالرسول عليه افضل الصلاة و السلام بزغ فجرا في ظلمة حالكة وكذلك جميع الديانات السماوية .
كانت زفة النوبة هي علامة لدخول الامام من الناحية الشمالية للميدان .
وبداية الخطبة وكان شيوخ النوبة و الحيران هم من يقومون بخلق سياج حول الامام حماية له من تدافع المصلين للسلام عليه.
تبدأ الخطبة الأولي وتليها الثانية و صوت فكي علي الساحر يأخذ بقلوبنا و يأسرنا بوقاره ثم السلام . ويبدأ الناس يتبادلون التهاني ويتقالدون في ود و أريحية غريبة .
ما ان انتهت الصلاة الا وقد شنفت مسامعنا ثلاث طبول تقرع لتمتزج بنوبة الدراويش واجراسها وهي نقارة الدينكا و النوير و الشلك.
يشاركون المسلمين فرحتهم بعفوية تحكي عن رباط وجداني مفعم بالانسانية و السلام و المحبة.
اين نحن اليوم ؟
استدل بما قاله الشاعر الهادي ادم :
اذا ما العلم أمسى وهو حرب عل الانسان في العهد الجديد….
فقل يا عهد نيرون سلاما وقل لشرعة الغاب عودي