عندما كان الفريق الكباشي ينفش ريشه أمام الكاميرات البارحة ويتحدث بطاؤوسية مصطنعة ، كانت زيارة ناجي تيبور ، مساعد وزير الخارجية ، وزميله المبعوث الخاص ، السفير دونالد بوث ، قد إنتهت عمليا بمخرجات تطابقت تماما مع التسريبات التي نشرتها علي هذه الصفحة قبل وصول الرجلين للخرطوم .
قبل أن نتعرض ، تحليليا ، لما قاله الكباشي في مؤتمره الصحفي ودوافع اللغة المنتفشة التي إستخدمها ، ونبرة التحدي التي تعمدها ، جدير بنا أن نقرا في كراسة مساعد الوزير الأمريكي وتقييمه للزيارة من منظور المكاسب والانجازات المحققة .
أرسل السيد ناجي تيبور 6 تغريدات في حسابه بتويتر مثلت في مجملها عرضا ختاميا متكاملا لما تم التداول بشأنه خلال يومي إقامته بالخرطوم النائحة فقد عشرات المئات من فلذات كبدها المنفطر . لأغراض الدقة والموضوعية ، أستهل هذا التقرير بترجمة كاملة للتغريدات الستة كما وردت نصا .
قال مساعد الوزير الأميركي ( لقد اختتمت زيارة مثمرة للخرطوم . اقدر وبشكل عميق فرصة الإلتقاء بالنساء والشباب وغيرهم من الناشطبن والمعارضة الذين أظهروا إلتزاما يثير الاعجاب بالتظاهر السلمي والحوار . لقد ضغطنا أنا والسفير بوث علي رئيس المجلس العسكري الإنتقالي الجنرال برهان بإتخاذ خطوات من شأنها أن تسمح بمواصلة المناقشات الناجحة :
💢وقف الإعتداءات علي المدنيين ،
💢سحب القوات العسكرية من الخرطوم ،
💢السماح بتحقيق مستقل حول هجوم 3 يونيو الفظيع علي الاعتصام السلمي وغيره من حوادث العنف الأخيرة ،
💢وقف قمع حريات التعبير والإنترنت .
💢قابل السفير بوث وشخصي قوي الحرية والتغيير وعبرنا عن دعمنا لمجهوداتهم في جلب حكومة مدنية تقود المرحلة الانتقالية ولخلق مستقبل أفضل للسودان .
💢السفير بوث وشخصي نتجه في هذه الأثناء لأديس أبابا للتعبير عن دعمنا لبيان الاتجاد الأفريقي الصادر يوم 6 يونيو ، وتعليقه لعضوية السودان في الإتحاد الأفريقي فضلا عن رسالتهم القوية حول الحاجة لجكومة مدنية .
💢إننا نرحب بمجهودات رئيس الوزراء الأثيوبي للتوصل الي حل سياسي يعكس إرادة الشعب السوداني .” .أنتهت التغريدات .
قطعا لسنا بحاجة لتبيان أو تأويل مدلولات هذا التنوير الأميركي الصارم (يتعين التسليم بأنه ليس بيانا رسميا ) أو محاولة الخوض في إستجلاء خفاياه – فقد تعمد السفيران المتخصصان في الشؤون الأفريقية ، تيبور وبوث ، أن يلدانه عاريا لا تخفي عنه خافية !
انظر ، مثلا الي دقة اللغة عند حديثهما عن الاجتماع مع الفريق أول برهان وتعمدهما إستخدام تعبير معاصر الزيوت We pressed ( ضغطنا) ، ولا تترك اقتضاب النقاط التي حملت المطالب الأمريكية يفوتك أو كيف أنها جاءت خالية من فذلكات الدبلوماسية أو المواربة فأرسلاها كسلالة إملاءات تتقصدها واشنطن عندما تعض أصابعها بما يشئ بنفاد صبرها ! في مقابل لغة التنوير الكاشفة وتسلسل نقاطها ، لابد وأن ينصرف التحليل ليحوم حول كثير من المترادفات الظرفية التي ظلت عالقة حتي وأثناء عبور طائرة رسولا الدبلوماسية الأمريكية الأجواء السودانية الي الهضبة الأثيوبية . فقد تطايرت الأسئلة ، بدءا ، حول سبب الاعلان العجول عن مؤتمر صحافي للمجلس العسكري ؟ وبعد إنعقاده توالت الاستفاهمات حول سوء التجهيز لمحتوي رسائله المراد توصيلها ، والحالة المتردية للهزال والضعف المعرفي لأثنين من أكبر نجومه . وبالنتيجة ، كشف المؤتمر للشعب ماكان مستورا من ضحالة مستويات النضج السياسي وإنخفاض مستوي التقدير العام للأمور لجنرالاتنا الذين يقتلونا ليحكمونا ؟ بل تساءل كثيرون ، ماهي االفائدة التي جناها العسكر وهم يتبرعون علنا بتلك الإعترافات الجنائية المدوية بأنهم هم من أصدر الأوامر لقتل العشرات المئات من أبناء وبنات الشعب من المتظاهرين العزل ؟ هل علم الكباشي والعطا أن مثل تلك الإعترافات الطوعية بإمكانها أن تلف حبال المشانق حول رقابهم ورقاب من تبرعوا وورطوهم معهم بالمشاركة الجنائية في المذابح ، وأن مثل تلك الاعترافات المتلفزة يمكنها أن تختصر المداولات العدلية ، وتسهيل صدور الاحكام بدهولة لا يحلم بها أي محامٍ أو محقق ؟؟ هل علموا مآلات وضعهم القانوني قبل وبعد المؤتمر الصحفي الكارثي هذا ؟ معظم ” إشراقات ” مؤتمرهم الصحافي بدت كمساعٍ جمبازية مستمتية هدفها النفخ في بالون الترويج لحميدتي وإزالة مالحق بصورته الذهنية من فظائع وبربرية . أما النقاط المتعلقة بضرورات الإبقاء علي الإنترنت متاحا ، وإخراج الدعم السريع من العاصمة وتشكيل جسم مستقل للتحقيق ( واضح ان المطالبات الدولية دفعت بالأمم المتحدة لتبني هذا الخيار )، كل هذه النقاط كانت ردود الكباشي بشأنها رفضا مبرما ، لكن عندما تقرأ الناس مطالب المعاصر الأمريكية سيدركون أن تلقيب هذا الضابط ب” الكذباشي” لم ينطلق من فراغ وإنما هو توصيف صادف أهله تماما .
إن غياب حميدتي عن المسرح العام خلال الأيام الفائتة ، وعدم ظهور صوره خلال هذه الفعاليات الأمريكية التي لم تترك أحدا ، من جهة ، وتعمد تكرارالحديث عن الانقلابات بالجيش ، من الجهة المقابلة ، كلها أفعال تترك الباب مواربا أمام إحتمالات إنتحارية لتطويل أمد الأزمة وتنفيس الضغوطات العالمية ، والامريكية بالذات ، لتنفيذ فعل عسكري مدبر يستبق به المجلس الانقلابي نهاية عهدهم الذي بدأت تلوح نهاياته ويتعمدون تمديد حالةالاحتقان الحالية . مثل هذا الفعل علي صبيانيته ، ليس هناك ما مايلجم حدوثه أو يمنعه ، لكنه سيعقبه ردا وبيلا إذ سيفتح عليهم أبوابا من الجحيم الأممي ، ومن كل أقطاب الاسرة الدولية بمن فيهم جيراننا في الإقليم الذين ورطوهم في مغامراتهم الحالية ، وهم من صدرت لهم الأوامر من أعالي البحار بالابتعاد عن الملف السوداني ، علي الاقل في الوقت المنظور حاليا.