يحاول حميدتي أن يخرج من ورطة الجريمة التي شارك فيها
الجنجويد تخطيطاً وتنفيذاً مع المجلس العسكري الانقلابي، ويتلبس شخصية الرئيس
المخلوع عمر البشير ويوزع الرشاوى على المواطنين بالوعود الكاذبة، وبتحقيق مطالب
هي في الأساس من حق البسطاء، كالماء النظيف، والكهرباء، والخدمات الضرورية.
ويلعب حميدتي بكرت الإدارة الأهلية التي يحاول أن
يدخلها إلى حلبة السياسة حتى شكلت حزباً باسم الحزب الأهلي، وهو يتحرك بعيداً من
الخرطوم، تماماً كما فعل البشير في آخر أيامه، عندما ذهب إلى البوادي والقرى
محاولاً استمالة الغلابة، بالوعود والاعتذار عن الإهمال بعد 30 عاماً من الحكم.
والفارق بين البشير وحميدتي أن الأول كان رئيساً
(يفترض في نفسه أنه مختار بانتخابات)، أما الثاني فلا صفة له تجعله ينزل إلى
الجماهير ويخاطبها، وقد ولغ وعسكره منذ أيام في دماء الشهداء الأبرياء، الذين كانوا
يطالبون بالضروريات التي يعد بها من دون أي صفة.
يأتي حشد حميدتي في قري في إطار محاولة المجلس
الانقلابي تبرئته والجنجويد من جريمة الفض، بعد أن ورطوه هم وجهاز الأمن والمخابرات
في تصدر المشهد.
وياسر العطا جاء ممثلاً للمجلس، ومؤكداً قانونية وضع الدعم السريع “الذراع الأيمن للقوات المسلحة”، حسبما ادعى، والعجيب أن هذا الدعي ظن فيه بعض الناس خيراً حن توارى قليلاً عن الأنظار، إلا أنه عاد أكثر بجاحة وتبعية لحميدتي، وقد تناثرت أنباء عن مصالح مع حميدتي؛ ليصبح له ظهيراً، وناعقاً بين الشرفاء بكلام يسبب الغثيان، ويدعو إلى التحسر على قوات الشعب المسلحة التي آلت إلى أمثاله من قاتلي الشعب، بدلاً من حمايته.
يعتمد حميدتي على هتيفة الإدارة الأهلية وبعض رجال
الطرق الصوفية الذين ظل يتقوى بهم البشير بحشود مدفوعة الثمن، وإعلام تافه لا ينقل
مواجع الشعب، ويغطي فعاليات كرتونية، لتزييف الواقع، وإعطاء صورة غير حقيقية عن
واقع الحال.
إن حميدتي وبقية
أعضاء المجلس الانقلابي ينفضون أياديهم عن أي اتفاق مع قوى الحرية والتغيير،
ويتجهون إلى حكومة تسيير من انتهازية عصر البشير، ليمكنهم السيطرة عليها، وتوجيهها
حسبما يريدون، حتى إقامة انتخابات يفصلونها على المقاس الذين يريدون ليتصدر حميدتي
أو أحد أراجوزات المجلس المشهد، فتتحقق لهم ولمن يتقوون بهم هدف وأد الثورة
وسرقتها، ليفقد السودان أجمل لحظة تاريخية عاشها، حين أحيت الثورة في القلوب روح
الانتماء للوطن، وألغت الفوارق بين مكونات الشعب، وجعلت أبناء السودان في الداخل
والخارج على قلب رجل واحد.
ما لا يعلمه المجلس الانقلابي الذي يحاول إرضاء حميدتي أن “الجيل الراكب الرأس” لن تفوت عليه مثل هذه الألاعيب الفطيرة التي يحاول أن يمارسها، وقد استطاع الثوار أن يكسبوا تعاطف العالم، حتى شعر ساسته ومثقفوه وفنانون أن هناك على الخريطة شعب يستحق ما يطالب به من (حرية وسلام وعدالة)، واكتست وسائل التواصل الاجتماعي باللون الأزرق تضامناً معه، ومطالباُ بمحاسبة من ارتكبوا المجزرة البشعة في حق المواطنين العزل.
إن على قوى الحرية والتغيير المبادرة إلى وضع خريطة
طريق تجهض محاولات هذا المجلس التي أصبحت مكشوفة لوأد الثورة، والسير بالبلاد على
دماء الشهداء نحو المجهول.