ما يمكنني قوله وسط هذا الجو
الممتلئ
بالإحباط والحزن وعدم وضوح الرؤية إن الثورة يجب ألا تقبل الحلول الوسطى، قدمنا الثمن
دموعاً ودماءً وأرواحاً طاهرة ذهبت للقاء ربها راضية مرضية وهي في نعيم مقيم بإذن
الله، تركت لنا الألم والحزن والحسرة على فقدهم وعلى عجزنا.
تركتنا ليقتلنا الإحساس بقلة الحيلة أمام تعقيدات
المشهد. ليس أمام الثورة والثوار إلا الذهاب في المشوار إلى نهايته، فقد دفعنا الثمن،
وخلقنا الوطن الحلم حقيقة شهدناها وشهدها العالم على أرض الاعتصام، ولن نتنازل عن حلم
الشهداء
. المجلس العسكري تحاصره
سوء نيته وقبيح أفعاله، وهو في ضعف كل يوم، وسينهار بعد أن تنكر له الذين ورطوه في
الجريمة، ومهما يدعي من قوة، فهو أضعف من النظام الذي سبقه، وإذا تواصلت الثورة سيدب
داخله الاختلاف. نحن ليس أمامنا ما نخسره أكثر من خسران الموقف الأخلاقي عندما نضع
أيدينا بأيدي من قتلوا من هم أشرف منا جميعاً، لن نساوم، ولن نبيع الدماء ولن نستدير
على الحلم العظيم.
السودان الوطن العظيم وشعبه وأجياله القادمة
يستاهلون
ويستحقون
كل الدماء والتضحيات
من أجل ان
يعبر الوطن الي
المستقبل بلا أدنى مساومة.. قطعنا
أكثر من نصف الطريق ولم يتبق الا القليل من الأثمان، لنضع الوطن على الطريق الذي
يهدينا جميعا
الي المستقبل.
الي ذلك الموعد سيبقي الحق
حقاً والباطل باطلاً، ولن نساوم.
ما أشبهها لحظة الوطن الآن باللحظة الخالدة في تاريخنا الإسلامي، عندما بلغت المواجهة بين
الحق والباطل ذروتها، حينما أرسلت قريش كبيرها أبوطالب عم رسول الله،
إلى رسول الله عليه افضل الصلوات وأتم التسليم، وعبأته بالوعد والوعيد إلى الرسول الكريم، أن
يجعلوه ملكاً عليهم ويجمعوا له كل أمرهم ويكونوا خدماً بين يديه، أو يقابلوه ويواجهونه بما لا يستطيع من
البأس والوعيد.
عندها وقف النبي الكريم حاسماً قاطعاً في القول لعمه
ابوطالب المبعوث من عظماء
قريش، والذي كان يكن
الرسول له الاحترام، وكان ابوطالب هو كبير القوم فيهم “ا
ابن أخي، إن قومك قد جاؤوني، فقالوا لي كذا وكذا (للذي كانوا قالوا له) فأبق علي وعلى نفسك، ولا
تحملني من الأمر ما لا أطيق”.
فظن رسول الله صلى الله عليه
وسلم أنه قد بدا لعمه فيه بدءاً أنه خاذله ومسلمه، وأنه قد ضعف عن نصرته والقيام معه. فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا
الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته.. (ثم استعبر رسول الله صلى الله عليه
وسلم، فبكى ثم قام) فلما ولى ناداه أبو طالب، فقال: أقبل يا ابن أخي، قال: فأقبل عليه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: اذهب يا ابن أخي، فقل ما أحببت، وافعل ما شئت فوالله
لا أسلمك لشيء أبداً.