جلسنا أمام جهاز التلفاز في ترقب واهتمام لمشاهدة المؤتمرالصحفي الذي أعلن عنه المجلس العسكري الانتقالي وعقب المؤتمر قلت لزوجتي معلقا على الطريقة والمضمون : هل يريد العسكر أن يعلموا الشعب السوداني العوارة “اقصد العوارة السياسية وهي عدم حسن تقدير الأمور وغياب العقلانية والمنطق في القول والفعل ” وشعرت بعدم احترام عميق يكنه العسكريون للمدنيين مهما كانت درجة وعيهم وفهمهم.
وكانت اولى الشطحات العسكرية هي تكرار الحديث عن أمن البلاد وإعطاء الانطباع الصريح بأننا كمدنيين لسنا حريصون على أمن وطننا وأنهم لن يفرطوا في امن البلاد بإعطاء السلطة للمدنيين! هذا قول ساذج ولا يستند لمنطق ويتهم كل السودانيين من غير العسكريين بأنهم غير مسؤولين وغير وطنيين لأن أمن الوطن لايهمهم ولا يثير غيرتهم .متناسين أن حماية الوطن بالنسبة للعسكر وظيفة ومصدر “لأكل العيش” بينما “أمن الوطن” بالنسبة لابسط مدني قضية وكرامة ومستقبل لأبنائه . وهنا يميل الفريق كباشي بالكاب على رأسه ويميل فمه علينا ليقول بالفم المليان : نحن باقون لأننا لن نفرط في أمن الوطن .
الأمن ليس مجرد حماية حدود دولية أو مياه إقليمية أو أجواء، فهناك الأمن الإقتصادي والأمن الصحي والأمن البيئي . وأمن البلاد لا يحمى بالبندقية والطائرات بل بقوة احساس المواطن بالانتماء من خلال الحرية والديمقراطية وشعور المواطن بقيمته في وطنه . الشعب الفيتنامي لم يحميه الجيش ضد اليانكي (الامريكاني) بل حمته المقاومة الشعبية والنضال ضد الامبريالية، وكذلك الشعب الكوبي .
تعتبر سويسرا أكثر بلاد العالم أمنا وأمانا ولكنها ليست لديها جيش محترف! لان سياستها الخارجية قائمة على السلام والتعايش والحرية .
للأمن أشكال عديدة ليس في قدرة الجيش وحده تحقيقها .وهي تحتاج للعلم والمعرفة والعقل قبل كل شيء، لذلك يجب عدم القول بأنهم لن يتخلوا عن الحكم لسبب حرصهم على أمن البلاد أكثر من المدنيين بل عليهم الصدق والقول أنهم ذاقوا طعم السلطة والأضواء والحكم والشهرة والظهور في أجهزة الإعلام ومقابلة الملوك والأمراء ووزراء أكبر الدول . وقد تذوقوا لذة السلطة ومن الصعب عليهم أن يعودوا أشخاصا عاديين يمشون في الأسواق ويأكلون الطعام .
ثانيا: الحديث عن تمثيل الشعب والشرعية والتهديد بالانتخابات . السؤال بأي شرعية شعبية أو ثورية يدعو ويشرف المجلس العسكري على الانتخابات وهل سيضع هو قوانين الانتخابات ؟ وهل الانتخابات مجرد صناديق خشبية للاقتراع ؟ اين هي أجواء الحريات والليالي السياسية والمناظرات والصحف الحزبية والإعلام الحر المفتوح . تهديد العسكر بالانتخابات كل مرة يكشف عن نوايا سيئة وطبخات رديئة الاخراج.
بالنسبة للأحزاب يهمنا أن تكون أجواء الانتخابات فرصة للعمل السياسي وتجنيد المؤيدين وزيادة عضويتها .
ظل المجلس العسكري يتحدث عن أشباح وبعاعيت تسمي المندسين والمتفلتين . ونحن نسأل كيف لم يستطيع هؤلاء العسكريون حماة الأمن تحديد هؤلاء المندسين والمتفلتين والتحفظ عليهم لأسباب أمنية . ثم أسطورة “كولومبيا” لماذا لم يقم الأمن بضربة استباقية قبل أن تكبر العصابة وتهدد الأمن . ثم أين هي نتائج لجنة التحقيق في أحداث 8 رمضان رغم أخبار القبض على عنصرين ؟
من مظاهر الترويج “للعوارة السياسية” محاولة إقناع الشعب عام 2019م أن الانترنت مهدد لأمن البلاد لذلك تم إيقاف هذه الخدمات .
سؤال أخير ، هل قرر المجلس فض الاعتصام أم لا؟ وكيف قامت قوى بعصيان أوامر وأخطأت في التنفيذ ؟ كيف يكون مثل هذا المجلس مأمونا على حياة المواطنين وهو لا يستطيع السيطرة على مثل هذه العناصر التي ارتكبت مجزرة وفظائع هددت كل ادعاءات حرص العسكر على أمن البلاد والعباد .