تتحكم الظروف والمتغيرات عند الحديث عن الثورات السودانية والمتغير الأبرز في هذا الشأن والذي جعل الإنقاذ تحكم السودان ثلاثين عاما كان هو إكتشاف الإخوان المسلمين مبكرا للأدوات التقليدية التي تسقط الأنظمة العسكرية ونعني هنا النقابات والإتحادات والحركات الطلابية والتي عملوا علي تعطيلها من اول وهله ثم جري إستنبدالها بصيغ جديدة تخدم مشروعهم ,ونذكرإن كثيرين من حكام الإنقاذ شاركوا في المظاهرات والإحتجاجات وهم طلابا في الجامعات والمعاهد العليا وسايروا شعارات الثورة وقطفوا ثمارها في مصلحتهم ومن ذلك ادعاؤهم ان الترابي هو الذي فجر ثورة اكتوبر ناكرين إن اكتوبر كانت تراكم نضال طويل شاركت فيه المعارضة بمختلف اطيافها وفي مقدمتها قوي اليسار التي كانت رأس الرمح في معارضة نظام عبود ثم اسقاطه.
شكلت المتغيرات التي احدثها نظام الإنقاذ واقعا جديدا كان من اهم عناصره القمع الدامي للمعارضين , وضرب القيادات النقابية القديمة ,وإحالة الالاف منهم الي ماسموه الصالح العام “التطهير الوظيفي”, ثم فتح الباب واسعا لهجرة العقول الي خارج البلاد ,جري كل ذلك مقابل مشروع بديل هو ما سموه المشروع الحضاري والمقصود منه خلق جيل جديد مسلم يحل محل الجيل القديم تربية العلمانية ,وكذا تم إجتراح اول وزارة ايديولوجية اسندت مهمتها لعلي عثمان محمد طه ,وشرعت هذه الوزارة اول ما شرعت بتغيير نظام التعليم “العلماني” وإستبداله بالنظام “الإسلامي “وكان الهدف من ذلك نشؤ “جيل مسلم متشرب “بالقيم الدينية “, ولكن المستهدف المفترض نفسه طوق بقوانين متعسفه مثل ما اطلق عليه قانون النظام العام وهو قانون منقول بالمسطرة من النموذج السعودي قانون” الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فكان ان انقلبت المعادلة راسا علي عقب فحوصرت حريات الشباب اولاد وبنات ,وصار الجلد مشاعا امام واجهات مراكز الشرطة, وكان لابد للزوج من ان يحمل معه كل الأوراق الثبوتية لزواجه من التي بجانبه ,وعلي الأخ كذلك ان يثبت ان هذه شقيقته .
في غمرة هذه الربكة التي تحولت واقع قبله النظام تم إجتراح نظرية مزاوجة الحلال بالحرام اطلقت مخابرات النظام الإسلامية سلاح المخدرات كداعم ” لقوانين الشريعة “وذلك فعل شيطاني يتواضع امامه ابليس .
يتسائل الكثيرون من سدنة الإسلام السياسي باستغراب شديد عن كيف ان مشروع النظام ” الأخلاقي ” الذي عملوا علي غرسه ثلاثون عاما انهار ولم يعط النتائج المرجوة؟ ,كيف انقلب السحرعلي الساحر؟ وتمرد الجيل الذي “احسنوا” تربيته بحفظ القران في جامعة القران وتجنيده للجهاد ضد الجنوبيين الكفار .
لايزال “مفكرو” النظام فاغروا افواهم دهشة مما يجري امام اعينهم ؟علي ان الأجابة علي هذه الدهشة هو انهم كانوا ولايزالون يفكرون بمنهج كتابي “متن الاجرومية “او “مختصر خليل” اي انهم فضلوا ن يعيشوا في الماضي بدلاعن الحاضر الذي اخذوا منه فقط الموبايل والإنترنيت بالرغم من ان صانعهما هو الكافر هدف مشروعهم ,وحتي هذه التكنولوجيا المدهشة يردونها الي ان الله الذي سخر الكفار لخدمتهم وهذا هو الدور المناط بهم لخدمة المسلمين .
ثمة ماهو جدير بالتناول من منظور جدلي متربط بما استجد في السودان وهو ظهور”ظاهرة ” تجمع المهنيين التي ينفي البعض عنه الصفة الأيديولوجية ويردها الي العفوية ,اي انه تنظيم عشوائي غامض يقوده شباب متمردون لايعلم احد ماذا يريدون, ويذهب كل “الإنقاذيون ” الي انهم خيوط يحركها العلمانيون ثم ينتهون الي شماعة قديمة جديدة هي الشيوعية والبعثية وذلك اكبر فشل اسلاموي حين يعجزون عن تطوير ادوات إتهاماتهم
يتبع
siddiqmeheasi7@gmail.com