* حدثتكم من قبل عن غباء مستشاري المجلس العسكري الانتقالي الذين يصورون لهم أن كل حاجة تمام، وعلى هذا الأساس يخرج علينا (حميدتي) كل يوم بابتكاراته التي لا تنتهي في دنيا السياسة المرتكزة على تبديد الأموال في شراء الذمم والمواقف، وهي نفس السياسة الغبية التي أنهكت النظام البائد وانتهت به إلى السقوط في الهاوية، وعندما سقط لم يتلفت الذين كانوا يقبضون منه ويهللون له، إذ وجدوا ضالتهم بأسرع ما يكون في غيره الذي فتح لهم خزائن المال المنهوب على مصارعيها الأربعة ليعبوا منها في مقابل بيع النفس الذي اعتادوا عليه. سوق النخاسة ليس وقفا على الزعامات الأهلية، فقط وإنما يضم كل الملل والمهن والمحن: سياسيون، صحفيون، مذيعون، رياضيون، وفنانون وهلم جرا، وكل من له موهبة في الانحناء
إلى الأمام!!
* أغبياء المجلس العسكري يصورون له أن تصريحات الغربيين والمجتمع الدولي ضد قراراته وسياساته ليست سوى زوبعة في فنجان ورغوة صابون، مصيرها أن تنتهي بدون أي تأثير، وهو تصوير غبى وخاطئ من أشخاص لا يدركون شيئا عن طريقة تفكير الغربيين، وكيفية اتخاذ القرار في الدوائر الغربية أو الدولية. صحيح، أن اتخاذ القرار يأخذ وقتا طويلا جدا، ونفس الوقت أو أزيد يأخذه رفع القرار، ولكن لا أحد ينسى، والقرار لا بد أن يؤخذ طال الزمن أم قصر.
* ممكن جدا أن يصدر قرار بعد عدة سنوات من إحدى الهيئات الدولية يطالب بمحاكمة مرتكبي جريمة فض الاعتصام بعد أن يكون السودانيون أنفسهم قد نسوا هذه الجريمة، ويكون المجلس العسكري قد أصبح في ذمة التاريخ، ويبدأ العالم في مطاردة أعضاء المجلس العسكري الأحياء (كأشخاص) وإصدار أوامر قبض لهم وتقديهم للعدالة. شيء أشبه بما يحدث لمرتكبي الجرائم في العهد النازي أو مجرمي الحرب اليوغسلاف الذين يسمع العالم كل حين عن القبض على أحدهم وتقديمه للعدالة.
* الجرائم مثل جريمة فض الاعتصام وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية.. إلخ، لا تسقط بالتقادم، وعلى أعضاء المجلس العسكري ألا يطمئنوا للأغبياء الذين يوسوسون لهم أن تصريحات الغرب مجرد زوبعة فنجان سرعان ما تختفي. فهي لا تختفي ولكنها تظل تتحرك ببطء شديد، لا يراها إلا صاحب البصيرة الثاقبة، وقد يُفاجَأ الناس بها بعد سنوات طويلة وقد تحولت إلى إعصار. ممكن جدا أن يوقف أي شخص كان عضوا في المجلس العسكري الحالي بعد سنوات طويلة جدا في أي مطار دولي على ذمة التحقيق في جريمة فض الاعتصام. البطء لا يعني النسيان، وهو ما لا يفهمه الأغبياء الذين يقدمون النصيحة للمجلس العسكري و(حميدتي)!!
* المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية طالبت أول أمس بتحقيق دولي في جريمة فض الاعتصام. ألقت هذا الكلام ضمن تقريرها نصف السنوي أمام المجلس الأمن حول ملف جرائم
دارفور وذهبت. قد يرى المجلس العسكري و(حميدتي) أو أي شخص غير لصيق بطرق اتخاذ القرار في الغرب أو في المؤسسات الدولية هذا الحديث مجرد كلام والسلام، وقد يختفي هذا الحديث تماماً من الصورة طيلة الشهور الطويلة القادمة، حتى ينساه الناس، ولكنه يمكن أن يتحول في أي وقت إلى فعل، ويصحو الناس العاديون ذات يوم ويسمعون في الأخبار بتكوين
لجنة تحقيق دولية في مجازر فض الاعتصام.. ومن ثم تبدأ الحكاية، ويشرع العالم في مطاردة الأحياء من أعضاء المجلس العسكري، كانوا أو لم يكونوا في السلطة!!
* العالم الغربي يتحرك ببطء شديد جدا حتى في القضايا التي تخصه، خذوا مثلا خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، أو التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي بدأت قبل سنوات ولم تنته حتى الآن، مصير هذه القضايا أن تنتهي يوما ما بأي شكل من الأشكال، فهي ليست فض مجالس ولا يمكن أن تظل معلقة إلى أبد الآبدين. نفس الشيء قضية المخلوع أمام المحكمة الجنائية الدولية، وجريمة فض الاعتصام، لا بد أن يكون لهما نهاية، كما كان لهما بداية، وغبي من يعتقد أو يؤمل في غير ذلك.
* أضحكني مندوب السودان في مجلس الأمن الذي لا يزال يعزف نفس النغم النشاز الذي كان يعزفه النظام السابق بأن السودان ليس عضوا في المحكمة الجنائية، وغير معني بها ولن يسلم البشير، رغم أن ملف جرائم دارفور لدى المحكمة لا علاقة له بعضوية السودان في المحكمة، وإنما بقرار صادر من مجلس الأمن بتحويل ملف جرائم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية. كون السودان عضواً أو غير عضو لا يؤثر في تسليم البشير. الشيء الوحيد الذي سيجعل المحكمة تتوقف عن المطالبة بتسليم البشير هو محاكمته أمام قضاء مستقل وعادل ونزيه في السودان على الجرائم التي ارتكبها في دارفور!!
* كما أن الشيء الوحيد الذي سيجعل الشعب والعالم يتوقف عن الحديث عن جريمة فض الاعتصام هو التحقيق الشفاف وتقديم المتهمين للعدالة، من أعلى قمة الهرم إلى أسفله، أما الاستماع لنصائح الأغبياء بعزل النائب العام (الوليد سيد أحمد) من منصبه، اعتراضا على تقريره حول هذه الجريمة البشعة الذي جاء كاشفا لكل الفضائح، فلن يقود إلى إخفاء الحقيقة ودفن الجريمة، كما يظن الأغبياء.. بل إنه أول الطريق إلى الجنائية وكشف الحقائق ومعاقبة المتورطين!!
الجريدة