فيصل محمد صالح في حوار مع “العرب اللندنية”: حمدوك الأقرب لتولي رئاسة الوزراء
فيصل محمد صالح
22 يونيو 2019
لا توجد تعليقات
القاهرة – أحمد جمال- العرب اللندنية:
يؤكد السياسي والصحافي السوداني فيصل محمد صالح أن فكرة تشكيل حكومة تكنوقراط في السودان أصبحت قريبة من التنفيذ، وهناك توافق بين المجلس العسكري وتحالف قوى الحرية والتغيير على أن تكون بعيدة عن المحاصصات السياسية، غير أن الخلاف القائم الآن حول من الذي سيقوم بتشكيلها؟ ومن هي الشخصيات التي لديها قبول شعبي وتستطيع أن تحظى بدعم الشارع لتهدئته؟
ويعتبر فيصل أحد الأسماء التي طرحتها دوائر سودانية عدة لتولي منصب رئيس الوزراء في الحكومة المرتقبة، لما يتميز به من استقلالية سياسية جعلته يقوم بدور المنسق أو المقرب بين وجهات نظر القوى الثورية السودانية، في وقت رفض فيه الانخراط تنظيميا داخل تحالف الحرية والتغيير، لكنه أيضا يظل يحتفظ بمساحة سياسية قريبة ومؤثرة.
وتحدث فيصل محمد صالح، عن هذه التطورات، في حوار مع “العرب”، عبر الهاتف من الخرطوم، مشيرا إلى أن مسألة ترشيحه لتولي رئاسة الحكومة المقبلة لم تأخذ أبعادا جدية بعد. وجاء طرح اسمه ضمن نقاشات تسعى للوصول إلى اتفاق بشأن شخصية رئيس الوزراء. ويرى أن دوره “قد يصبح أكثر فعالية من خلال المشاركة في الحراك السياسي والمساهمة في تقديم حلول سياسية للأوضاع الحالية”، بما يعني أنه يفضل الابتعاد قليلا الآن عن الجهاز التنفيذي.
وقال صالح، الذي يحظى بقبول واسع لدى تحالف الحرية والتغيير، إن الاتفاق السائد الآن بين القوى السودانية هو أن يكون رئيس الحكومة لديه خبرات سياسية واقتصادية تمكنه من انتشال البلاد من الأزمات المتفاقمة التي تمر بها بأسرع فترة ممكنة، وبالتالي يصبح اسم عبدالله حمدوك، الأمين التنفيذي للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، الأقرب، من بين مرشحين آخرين، تدعمهم قوى الحرية والتغيير لتولي المنصب، ويحظى أيضا بقبول المجلس العسكري.
ويقضي اتفاق سابق بين المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير بتشكيل حكومة مصغرة لا يتجاوز أعضاؤها 18 وزيرا. واستقرت الكيانات السياسية داخل التحالف الثوري على قوائم مرشحيها للوزارات المختلفة. وفي كل وزارة جرى التوافق على 3 أو 4 من المرشحين للاختيار من بينهم. وكل مرشح منهم لديه أجندته السياسية والاقتصادية التي يرى أنها مناسبة للتطبيق خلال الفترة المقبلة.
ولفت صالح النظر إلى وجود بعض العثرات التي تعترض تشكيل الحكومة، وعلى رأسها مدى التزام المجلس العسكري بالاتفاقات السابقة التي أعطت حق تشكيل الحكومة إلى قوى الحرية والتغيير، ما يخالف الوضع الراهن الذي يشي بأن المجلس هو من سيقوم بتشكيلها، وحال الإصرار على ذلك فإن الحكومة ستواجه عزلة شعبية ولن تؤدي إلى هدفها الأساسي المرتبط بتهدئة الأوضاع في الشارع.
حكومة تكنوقراط
قبل أيام أعلن نائب رئيس المجلس العسكري السوداني محمد حمدان دقلو (حميدتي) عن توجه نحو تشكيل حكومة تكنوقراط بأقصى سرعة إلى حين إجراء انتخابات. وجاء الإعلان في خطاب جماهيري، بمشاركة ممثلين عن الإدارات الأهلية، التي تعد مجالس قبلية، تقوم بمهام محلية في عموم السودان، الأحزاب التاريخية والعريقة التي تحمل المسؤولية والتجرد من المصالح الشخصية في ظل الظروف الراهنة التي تمر بها البلاد.
وقال حميدتي “استنجدنا بالإدارات الأهلية (المجالس القبلية) لعدم وجود مجالس تشريعية في البلاد، وهي في نظرنا تمثل برلمان البلاد”، مشيرا إلى أن المجلس العسكري، وافق على تفويض الإدارات الأهلية بتشكيل حكومة تكنوقراط، لكنه لم يعلن صراحة عن التواصل مع تحالف الحرية والتغيير.
وكشف فيصل محمد صالح، الذي جرى الحوار معه بصعوبة مساء الثلاثاء لانقطاع الإنترنت في السودان، أن “تنسيقية القوى الوطنية”، التي طالبت بحكومة لتصريف الأعمال، بعيدة كل البعد عن التحالف الثوري، لكنها أيضا لا تتفق تماما مع المجلس العسكري، فهي مجموعات قريبة من نظام الرئيس المعزول عمر حسن البشير، وتحاول إيجاد مكان لها في إدارة المرحلة الانتقالية، وتهادن المجلس تارة وتهاجمه تارة أخرى، ونفس الأمر مع الحرية والتغيير.
ويرى أن الوضع الحالي في السودان يشهد حالة من انعدام الثقة بين الطرفين الأكثر تأثيرا في الساحة السياسية، مع تصاعد الاتهامات المتبادلة، ما أدى إلى أن يكون الحل السياسي مرتكنا إلى تحقيق مطلبين أساسيين بالنسبة لقوى الحرية والتغيير، أولهما؛ تشكيل لجنة تحقيق محايدة في مجزرة فض الاعتصام، وثانيهما؛ التزام المجلس العسكري بالتفاهمات السابقة عقب إزاحة البشير عن السلطة.
وأضاف أن قوى الحرية والتغير لا تتشدد في طلب لجنة تحقيق دولية، بل أضحت الآن أكثر مرونة من حيث الموافقة على لجنة تحقيق محلية تضم عددا من الشخصيات القانونية وقضاة وضباطا سابقين بالجيش والشرطة، يشاركون في تشكيل تلك اللجنة لضمان نزاهتها، وبحيث لا تكون مشكلة من طرف واحد، غير أن هذا الطلب يواجه برفض من قيادات المجلس.
ويعتقد صالح أن وقت التنازلات من قبل تحالف الحرية والتغيير ولى، وهناك اعتقاد سائد بين قياداته بأنهم أقدموا بالفعل على التراجع عن عدة مواقف أولها السماح بنسبة 33 بالمئة من القوى السياسية الأخرى بالمشاركة في المجلس التشريعي، والقبول بمشاركة المجلس العسكري في المجلس السيادي، بعد أن كانت الرؤى الثورية تصمم على أن تكون القيادة في الفترة الانتقالية مدنية بامتياز.
وما يزيد الأمور تعقيدا أن الشارع السوداني يمارس ضغوطا قوية على مكونات الثورة السودانية، وعدم التراجع عن مطلب اللجنة المستقلة للتحقيق في أحداث فض الاعتصام. وبالتالي فإن التراجع في تلك اللحظة يبعث برسائل سلبية للشارع الذي يعد المحرك الأساسي لقوى الحرية والتغيير، وتعتمد عليه بشكل كبير في إملاء ما تريده من مطالب، وبذلك فإن ضغط المجلس العسكري والشارع يضعان التحالف في موقف سياسي جرى التوافق على تجاوزه من خلال التصعيد وليس عبر تقديم تنازلات جديدة.
وأكد الكاتب والسياسي السوداني أن الكيانات الثورية لا تمتلك أدوات في الوقت الحالي سوى اللجوء إلى الشارع مرة أخرى والرهان عليه، والعمل على جذب أكبر قدر ممكن من المتظاهرين عبر التشديد على السلمية وعدم الانخراط في أعمال عنف، ما دفع إلى تنظيم ندوات ليلية في المناطق التي قد تحظى برفض شعبي لأدوار التحالف الثوري، ولضمان استعادة زخم المظاهرات في الخرطوم ومناطق متفرقة من البلاد. وأعلنت قوى الحرية والتغيير، الاثنين الماضي، استئناف إجراءاتها التصعيدية ضد المجلس العسكري في السودان، لحمله على نقل السلطة إلى حكومة مدنية ومحاسبة الضالعين في عملية فض الاعتصام.
ضغوط على الوساطة
لدى فيصل محمد صالح، الذي ترأس تحرير عدد من الدوريات السودانية، قناعة بأن تصعيد المعارضة وتصميم المجلس العسكري على موقفه يصعبان مهمة الوساطات المحلية والإقليمية، وأن المبادرة الإثيوبية تعاني من تحديات جمة بعد أن عاد مستشار رئيس الوزراء الإثيوبي محمود ديرير، إلى أديس أبابا للتشاور مع قيادة بلاده، بعدما لاحظ أن هناك عدم استجابة قوية من الأطراف السودانية.
وأوضح أن الوساطة الإثيوبية استندت على محورين أساسيين، وهما تثبيت الاتفاقيات السابقة والوصول إلى نقاط وسط لحلحلة المسائل الخلافية، لكن إعلان المجلس العسكري عن تشكيل حكومة تكنوقراط، من جانب واحد، شكل تراجعا عن المحور الأول، وظهر تمسك الحرية والتغيير بالسيطرة على الجانب الأكبر من المجلس السيادي ضربا في المحور الثاني.
كان فيصل محمد صالح أحد السياسيين الذين التقوا مساعد وزير الخارجية الأميركي للشؤون الأفريقية بيتور ناجي أثناء زيارته للخرطوم مؤخرا، ويثق في أن الولايات المتحدة لن تدخل على خط الأزمة السودانية بشكل مباشر وتدعم الوساطة الإثيوبية باعتبارها ذات مرجعية تابعة للاتحاد الأفريقي وهدفها الأساسي الإسراع في نقل السلطة من العسكريين إلى المدنيين.
وكشف عن مبادرة أخرى قدمها الاتحاد الأفريقي بعيدا عن إثيوبيا عبر مبعوثه إلى السودان محمد لبات، تقوم على هدم كل ما توصل إليه من تفاهمات سابقة والمكوث على طاولة مفاوضات مباشرة بين الطرفين من جديد والاتفاق على آليات محددة للوصول إلى إدارة مشتركة للمرحلة الانتقالية من جانب الطرفين، لكنه شدد على أنها واجهت رفضا من المجلس العسكري والمتظاهرين.
وأكد أن مبادرة الجامعة العربية ولدت ميتة، لأنها جاءت متأخرة وتحركاتها الدبلوماسية بين مختلف الأطراف كانت ضعيفة، وواجهت هجوما حادا من المواطنين الذين رأوا أن الجامعة لم تعلن موقعها بصراحة من الجرائم التي ارتكبها الرئيس المعزول عمر البشير بحق الثوار قبل رحيله عن السلطة، مشيرا إلى أن زيارة الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبوالغيط للخرطوم حملت أمنيات لنقل السلطة أكثر منها حلولا واقعية للأزمة.
ويؤمن السياسي السوداني أن أديس أبابا الطرف الأكثر قدرة على إحداث خرقا في الجمود الحالي لما يتمتع به الاتحاد الأفريقي من شعبية في أوساط المتظاهرين، بعد قرار تجميد عضوية السودان كأداة للضغط على تسليم السلطة، ولما تلاقيه وساطتها من ترحيب دولي وداخلي، غير أن مستقبلها يتوقف على رغبة إثيوبيا في استكمال المفاوضات وفقا للمتغيرات الراهنة من عدمه، ومن المقرر أن يعود مبعوث رئيس الوزراء إلى الخرطوم مرة أخرى.
وتحسبا من العراقيل التي تواجه الوساطة الإثيوبية طفت على السطح بعض الوساطات السودانية الداخلية، التي ظهرت في أعقاب الإطاحة بالبشير في أبريل الماضي لكن سرعان ما خففت على إثر التدخلات الخارجية، التي يقودها عميد الصحافة السودانية محجوب محمد صالح، وأسامة داوود عبداللطيف، أحد أكبر رجال الأعمال في السودان، وسليمان صالح فضيل كبير الأطباء السودانيين.
وأكد صالح أن الوساطة الداخلية قد تلقى قبولا جماهيريا كبيرا حال استطاعت التأثير في أي من الطرفين، فمن البداية كانت الرغبة في إدارة المشهد بشكل سوداني خالص، لكن التعقيدات السياسية مهدت للوساطة الإقليمية، التي ذهبت باتجاه تجاوز الجهود المحلية على الجانب الآخر، لكن العلاقات التي يتمتع بها القائمون عليها تجعلها على التواصل بين جميع الأطراف المختلفة.
من وجهة نظر الناشط السياسي السوداني، الذي واجه الاعتقال مرات عدة في أثناء فترة حكم البشير، كان آخرها في شهر يناير الماضي، يتوقف مستقبل إدارة المرحلة الانتقالية في السودان على الشارع، إذ أن القوى الثورية تراهن على استجابة الشارع لخطوات التصعيد التي قد تكون أحد أهم أساليب الضغط على القيادات العسكرية، ويراهن المجلس على أن زخم التظاهرات تراجع كثيرا وإقدام الشعب على الخروج إلى الشارع لشهور طويلة استنزف طاقاته.
نبض الشارع أولا
شدّد صالح على أن ثقة الشارع في الحرية والتغيير لا تعني التسليم الكامل بكل ما تقدم عليه من خطوات، بالرغم من أنها تلمس نبض الشارع واستطاعت أن تعبر عنه، غير أن الحركات السياسية الحديثة تجد صعوبات كبيرة في السيطرة على الشارع، كذلك فإن الكثير من القوى واللجان الشعبية في المدن توجه انتقادات لها وترى أنها تأخذ البلاد إلى منحنى تصاعدي من الفوضى.
وقال إن هناك ضمانة أساسية تمنع من هذا الانزلاق والتي ترتبط بحرص المتظاهرين على السلمية خلال عملية التصعيد، وأن قوى الحرية والتغيير قادرة على ضبط هذا الإيقاع بعد أن استمرت في التظاهر والاعتصام لمدة 6 أشهر تقريبا من دون أن تتورط في أعمال عنف، وحدوث ذلك في المستقبل سيكون من مسؤولية الطرف الآخر (المجلس العسكري)، والذي تورط في عملية فض الاعتصام بالقوة.
قد يكون هذا الرأي منطقيا في حال سارت الأمور على طبيعتها من دون أن تكون هناك تدخلات خارجية تدفع أي طرف إلى الانخراط في العنف، خاصة أن نسب انتشار السلاح في الشارع السوداني مخيفة في ظل حالة الترهل الأمني الذي أصاب البلاد منذ أن خرجت التظاهرات ضد البشير، وربما يتكرر النموذج السوري أو الليبي أو اليمني في السودان إذا لم يدرك الجميع خطورة طول أمد البقاء في الشارع.
لعل ذلك ما دفع فيصل صالح إلى التأكيد على أن الخشية من الدخول في موجات عنف موجودة بالفعل، في ظل وجود قوات الدعم السريع إلى جانب القوات المسلحة كقوتين عسكريتين وليست قوة واحدة قائمة على المؤسسية، لكن الرهان على الضمانات الخارجية لعدم الانخراط في العنف لن يأتي بثماره، والتعويل فقط على الأطراف الداخلية.
وأوضح أن ارتكان المجلس العسكري إلى حشد الإدارات الأهلية في مواجهة قوى المعارضة السياسية مسألة خطيرة، لأن تسييس القبائل يدفع باتجاه استخدام السلاح وليس الدخول في مفاوضات سياسية للحل، ولكنه أداة بيد قيادات المجلس الساعية لإثبات وجود ظهير داعم لها.