أدحضت مليونيات 30 يونيو ادعاءات المجلس العسكري الانتقالي بأنَّ قوى الحرية والتغيير لا تمثل أطياف الشعب السوداني، وأنَّ هناك قوًى أخرى تستحق المشاركة.
وأثبتت تلك المليونيات أنَّ لقوى الحرية والتغيير رصيداً
جماهيرياً وافراً، لم تنل منه محاولات المجلس وآلتُه الإعلامية التي تبرز بجلاء
شخصية الديكتاتور الكامنة في هذا المجلس برئيسه ونائبه وأعضائه.
ويبدو من السخف أن يوجه المجلس وسائل الإعلام، التي من
المفترض أنها قومية، إلى تبنِّي وجهات نظره، وتغييب وجهات النظر الأخرى.
وهذا الاختطاف للإعلام يوضح بجلاء أَّن المجلس لم يكن
جاداً في أيِّ يومٍ من الأيام في تسليم السلطة للمدنيين، ويؤكد ذلك تلك (الطاووسية)
التي ظهر بها رئيسه عبدالفتاح البرهان، وهو يرفع يده منتفشاً يحيي جماهير
افتراضية، وعلى مقرُبةٍ منه جمهور حقيقي من شباب الوطن وفتياته يهتفون: مدنية،
ويحول بينه وبينهم الأمن، حتى لا يزعجونه بأصواتهم الهادرة المعبرة عن أشواق الوطن
وتطلعاته الحقيقية، لا تلك المزيفة التي يصطنعونها على طريقة الرئيس المخلوع.
كما أن الكشف عن الملايين الستة من الدولارات المدفوعة
لشركة علاقات عامة كندية، ثم استصحاب نائب رئيس المجلس العسكري للنائب الأميركي
السابق جيم موران موظف العلاقات العامة في حشد مفترض للإيهام برصيد جماهيري يؤكدان
أنَّ أحلام أعضاء المجلس في التغوُّل على الحكم بدأت تتضخم، وتحول بينهم وبين
الوفاء للثورة التي قامت من أجل حكم ديمقراطي معافى، يشارك فيه كل أبناء الوطن.
لقد حاول المجلس من خلال رئيسه ونائبه ولجنته الأمنية
– التي هي لجنة البشير بشحمها ولحمها – تهيئة الرأي العام داخلياً وخارجياً لتقبل
تجاوزات الدعم السريع وتعامله بعنف مفرط يصل إلى حد الإجرام مع المتظاهرين
السلميين، وذلك بتحذير قوى الحرية والتغيير من الحشد الجماهيري، ومن أي تجاوز
للسلمية، وهم جميعاً يدركون أن المتظاهرين لم يتخلوا يوماً منذ انطلاقة ثورتهم عن
سلميتهم، حتى أذهلوا العالم.
وحدث ما كان
متوقعاً وتجاوز الدعم السريع حدوده، ومارس القتل بدم بارد، وهذا ما يثير تساؤلات
مهمة: أين قوات الشرطة والجيش؟ لماذا اختفت من المشهد؟ وكيف لمجلس كل أعضائه برتبة
فريق لا يقدِّر أنَّ الدعم السريع غير مهيأ للتعامل مع الحشود الهادرة، وبين جنوده
من لا يعرف خريطة هذا الوطن، ولا قيمه، كما أنهم أصلاً ليسوا مؤهلين عسكرياً أو أخلاقياً
للوجود بين المواطنين العاديين في القرى والمدن؟
إنَّ أول ما ينبغي أن يفعله المجلس إذا كان قد وعى
الدرس وأدرك ما يريده هذا الشعب المعلم أن يخرج قوات الدعم السريع من العاصمة
القومية أولاً، ثم من بقية المناطق المأهولة؛ لأنها ستظل سبباً من أسباب النكد
بممارساتها وتجاوزاتها، وسيظل المجلس يكذب ويكذب تبريراً لما ترتكبه من خطايا لا
تليق بقوات نظامية مهمتها الدفاع عن الوطن، وتأمين حياة المواطنين، وذلك حتى يأتي
اليوم الذي يُبتُّ في أمرها؛ بما يحقق المصلحة الوطنية.
وليكفّ رئيس المجلس العسكري ونائبه عن تقمّص دور
القائد الملهم، الذي يلامس هموم المواطنين، لأنَّ خطبهما في حشود وهمية في الأطراف
يثير السخرية والشفقة.
وليتهما يدركان أنَّ أسطوانة الماء والكهرباء والتعليم
والصحة شرَخَها الرئيس المخلوع، وحطَّمها تحطيماً، حتى مجَّها الناس، وكرهوا
سماعها، وتكرارها دليل على أن الفريقين (البرهان وحميدتي) يستعينان بالحرس القديم،
الذي لا جديد لديه ليقدِّمه لهما، غير الحشود الوهمية، والإعلام الفاجر، والكذب
الفاضح.
وليت الاثنين ومن معهما يدركون أنَّ ما يفعلانه تغوُّلٌ
على دور مجلس الوزراء المدني، الذي عليه أن يضع الحلول لمشكلات الوطن بخبرات
أعضائه المختصين، وبرؤية شاملة، ومن دون متاجرة بآلام المواطن.
ما زالت الفرصةُ مواتيةً لهذا المجلس لكي يفعل شيئاً
ينفع الناس لعلَّه يكون كفارةً لبعض ما ارتكبه من آثام وخطايا لا تُحصى في حقِّ
الوطن، ولن يتأتَّى ذلك ما لم يتخلَّ أعضاؤه عن أحلامهم وأوهامهم التي تذهب بهم
إلى المغامرة بوجود هذا الوطن.