تابعت المؤتمر الصحفي الذي عقده الوسطاء مساء أمس الثلاثاء، وبعدها بساعتين كنت ضيفا على أحد القنوات، فسألني المذيع : ما الجديد الذي جعل الوسطاء يتفاءلون و يقولون أن الخطى والمواقف اقتربت، ويحددون موعدا لاجتماع بين الطرفين ظهر غد الأربعاء..؟
– كانت إجابتي أن الموقف لم يتغير كثيرا، بحسب تقييمي لما أدلى به الوسطاء، والنقاط المختلف عليها منذ فترة لا تزال في مكانها، وليس من شئ متفق عليه غير مجلس الوزراء، ويمكن أن تستمتع أكثر بالدهشة إذا علمت أن السيد حميدتي قال في اللقاء “الاجتماعي- غير الرسمي..!” في منزل رجل الأعمال، أنه يريد 50% من مجلس الوزراء لأن لديه أيضا كفاءات وطنية..!
– ليس هناك جديد، ولم يفلح الوسطاء في تقريب المواقف، بل لم يستطيعوا حلحلة أي عقبة ولو كانت صغيرة، وأظن أنهم تعبوا وقرروا في الآخر، في محاولة لكسر الجمود، أن يعلنوا من خلال المنابر الإعلامية دعوة الطرفين للقاء ظهر الاربعاء، وليحدث ما يحدث.
– بهذا يمكن أن نقول إن هذه الدعوة من خلال المنابر الإعلامية للطرفين لحضور جلسة مفاوضات مشتركة هي لعبة انتحارية، قد تصيب أو تخيب. لو صابت وجمعوا الطرفين معا، يكونوا قد كسبوا خطوة ما، حتى لو لم يتم التوصل لاتفاق، وهي كسر جمود التفاوض المباشر. لو لم تحدث استجابة فستكون مهمة الوساطة قد انتهت، ومن الطبيعي أن يلملم الوسيطان عدتهما ويغادرا، ولكني أشك أن يفعلا ذلك.
– يعلم الوسطاء أن قوى الحرية والتغيير لديها اشتراطات قبل الدخول في التفاوض المباشر، وهي أيضا تعتبر إجراءات لبناء الثقة، وقد فشل الوسيطان في إقناع المجلس بالوفاء بها أو ببعضها، لذلك اتجها لإحراج قوى الحرية والتغيير بدعوتها لحضور جلسة التفاوض عبر الإعلام، بما يشكل ضغطا عليها إذا رفضت الحضور.
– كان يمكن للوسطاء أن يبذلوا جهدا لتحقيق بعض إجراءات بناء الثقة، خاصة وأن هذه الايام تشهد تصعيدا من جانب المجلس العسكري، فقد حدث تصدي عنيف لمسيرة 30 يونيو انتهت بمقتل عشرة شهداء، ووجدت جثث بعض النشطاء من لجان المقاومة بالأحياء في أماكن متفرقة بما يرجح أنه تمت تصفيتهم، وهناك حملة اعتقالات لقيادات في قوى إعلان الحرية والتغيير وبعض الناشطين في لجان الأحياء.
– في ظل هذه الظروف سيصعب جدا على قوى إعلان الحرية والتغيير الاستجابة في اليوم التالي لمفاوضات مباشرة مع المجلس العسكري، خاصة بعد النجاح الكبير والتفويض الشعبي الذي حدث في مسيرة 30 يونيو، لكنه بالتأكيد تفويض مشروط بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، وهو ما لم يحدث حتى الآن.
– أكتب هذا الكلام دون أن أعرف الرد الرسمي لقوى إعلان الحرية والتغيير، فإن قبلوا المشاركة ستنشأ أزمة ثقة بينهم وبين الجماهير التي خرجت يوم 30 يونيو، وسيحتاجون لوقت طويل وحجج معقولة لإقناع الجماهير بهذه الخطوة،، وقد لا يكونوا موفقين في هذا الأمر
– وإن رفضوا الاستجابة فقد يخسرون تعاطف الاتحاد الأفريقي والوسطاء وبعض الأطراف الدولية، وقد تنشق بعض أطراف من قوى الحرية والتغيير بما يضعف صورة هذه القوى ووحدتها. إذا حدث هذا سيبقى رهانهم الوحيد على الجماهير التي خرجت في 30 يونيو لتقف خلفهم وتدعمهم. هذا أيضا ليس رهانا سهلا، فهو يحتاج لعمل دؤوب ومنظم، وتواصل مستمر مع الجماهير لضمان استمرار عملية المقاومة دون غطاء إقليمي ودولي، ربما، وبالتالي قد تكون التكلفة كبيرة.
– الخيارات صعبة ومكلفة، ولكل من هذه الخيارات ثمن، وعلى قوى الحرية والتغيير أن تعيد النظر كرتين قبل أن تقدم على خطوة ما غير محسوبة، لكن عليها اولا وقبل كل شئ أن تحدد بوصلتها بدقة، هنا يكمن المحك.