أساليب التخوين والأحكام المجانية ، واستباق النتائج والخفة غير المحتملة والعدمية السياسية؛ كلها أمراض ابتلانا الله بها على سطح هذا الفيس من قبل متبرعين فاشلين سيظهرون تباعاً ــ وقد ظهروا من قبل ــ على صفحات هذا الفيس ليكيلوا الشتائم والاتهامات المجانية لقوى الحرية والتغيير بالتنازل والمساومة ، حتى قبل أن تبدأ مفاوضات اليوم في الاجتماع المرتقب عبر الوساطة الأفريقية الأثيوبية بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري..
هكذا يظن كثير من الفسابكة والطهوريين الجدد؛ أن العمل السياسي كما لو أنه طقس مقدس الخطأ فيه كفر، وسيجهزون لكيل التهم والاساءات التي هي فقط منطق العاجز. دون أن يدركوا أن العمل السياسي في الأصل ليس مفاوضات فقط ، بقدر ما أنه وبالدرجة الأولى تفكير عميق تبنى عليه المفاوضات بناء على استبصار وقراءة عميقة للساحة السياسية واللاعبين ، وموازين القوى فيها ، والاحتمالات الأخلاقية التي تتحسس الخوف من ضياع الوطن ، ومنطق المجتمع الدولي وأوراقه القاسية التي لاترحم وضغوطه التي وراءها دول ومحاور وازنة ، وتقاليد الاحتمال والصبر حتى نضوج أطراف كثيرة في عملية سياسية تقتضي فيها مسؤولية الشراكة الوطنية ؛ فهم منطق التسويات ، وتحديد الأولويات وتقدير التنازلات ، ثم بعد ذلك إدراج تجربة الخطأ والصواب السياسيِيَن (لا الأخلاقيين) بطرفيها في نتائج العمل ونهاياته إلى الاجتهاد السياسي ، والتقدير العام دون أي انجراف في ملاسنات صبيانية لا يعول على أصحابها إلا طبيعة الخفة والعجز.
تقدير المواقف السياسية والتفاوضية في ملعب معقد كملعب الثورة السودانية ، يتطلب منا جميعاً وأولاً كشعب سوداني ارتضينا تمثيل قوى الحرية التغيير لمواقفنا أن نصطف وراء هذا التحالف السياسي الوطني لقوى إعلان الحرية والتغيير ، وأن ندرك تماماً أن وقوفنا خلف قوى الحرية والتغيير موحدين هو عنصر دعم كبير لها ولقدراتها التفاوضية.وأن تثبيت الملعب السياسي في دائرة المفاوضات الضيقة المنحصرة في قوى التغيير والمجلس العسكري هو في القياس العام عنصر عافية وطنية . وأن الصبر على التفلتات أهون بكثير من الحماقات الشخصية في ألعاب السياسة وما قد تقود إليها من ذهاب الوطن أدراج الرياح .
ذلك أن ما لا يكاد يعلمه كثيرون هو أن الحياة السلمية والمدنية حياة هشة بطبيعتها الذاتية وأن أي تفجير لها عبر العنف ، من قبل الطرف الأقوى الذي يملك أدوات العنف سيكون بداية للدخول في نفق مجهول لا يعلم نهايته إلا الرب.
هذا يعني أن اللعب في ميدان السياسة ينبغي أن يترك للسياسيين أصحاب الاختصاص، وأن لا نجعل للهواة البسطاء أصحاب اللايفات وبوستات الفيسبوك (وقد اختبرنا عينات فطيرة منهم في نموذج ذو النون وأولاد بشارة) حين كانوا هم أصحاب الصوت العالي. فهؤلاء فقط ظواهر صوتية لا يجني الشعب من وراءهم إلا الندم العريض حيث لا ينفع الندم العريض.
وهنا لابد من النصح والقول : أنه حري بكل من لا يدرك طبيعة العمل السياسي ومن ليس مختصاً فيه أو محيطاً بأسراره أو ذا خبرة في التعاطي معه ، نقول له بالصوت المليان كف عنا جهلك وارحمنا بصمتك وأكفف لسانك وقلمك الخفيف عن التأثير في مصير وطن قد يكون مصيره بسبب تأثير ما تكتب في أوساط البسطاء ومتابعي الفيس مصيراً دامياً وفوضوياً.
إن أخطر ما يتبرع به هؤلاء الطهوريون الجدد وراء شاشات الكيبورد ، هو أن يجترحوا جرائم لا عد لها ولا حصر نتيجةً لما يظنونه هيناً وهو عند الله عظيم.
اتقوا الله في هذا الشعب يا أصحاب البوستات المجانية .
كما هو معروف، فإن الخفة التي تسرعون بها إلى كيل التهم كسباً للايكات أو حصداً للتعليقات في بوستاتكم العدمية قد تتسبب في سفك دماء محرمة أو تحرف أذهان بسطاء قد يصدقون كلامكم المجاني المنقول على الهواء.
هل تعلمون يا أصحاب البوستات الهوائية ؛ أننا كم سنة احتجنا لها ليظهر لدينا حلف سياسي كبير مثل قوى الحرية والتغيير ، وكم سنة سنحتاجها لو فرطنا بجهلنا في هذا الحلف السياسي الذي هو الضمير الحي لصيغة سودان جديد للمستقبل؟
إذا انفرط عقد هذا الحلف لن يبقى في هذا السودان المنكوب إلا حلف ” الجنجكوز” (جمع الجنجويد والكيزان) والفوضى التي سيضيع فيها هذا الشعب كما ضاع ثلاثين سنة ، لولا أن عصمه الله من الفوضى النهائية بهذه الثورة المباركة ، وبهذه الإمكانية الواعدة في صيغة قوى إعلان الحرية والتغيير.
فاتقوا الله يا أصحاب اللايفات والبوستات المجانية وكفوا عن التحطيب لنيران الفتنة .
فحتى لو أخفقت قوى الحرية والتغيير ، أو خرجت بنصف اتفاق ، لهو افضل من السيناريوهات العدمية التي تحاك لهذا الوطن من الداخل والخارج.
أعرف أن هذا الكلام قد لا يجدي كثيراً في هذا البحر الهائج لمئات الالاف من البوستات التي تتبرع مجانا بعملية الخراب . لكن لأن توقد شمعةً خيراً من ان تلعن الظلام .