*لا جدال على أن قُوى إعلان الحرية والتغيير أفلحت في تحقيق هدفها الأول بنجاحٍ ساحقٍ، بعد أن شكَّلت أحد أكبر التحالفات السياسية في تاريخ السودان الحديث، وأصابت به قبولاً مذهلاً، ساعدها على إسقاط نظام الإنقاذ، وفرض على المجلس العسكري الدخول في شراكة (إلزامية) مع قوى الثورة، بعد طول تمنُّع.
*تحقق الهدف الأول، وأفلحت (قحت) بعده في انتزاع أكثر من (70%) من مكونات السلطة الانتقالية، وينتظر منها أن توظف تلك المكاسب لتنفيذ بقية أهداف الثورة، وأولها بسط السلام، بوقف الحرب، ومعالجة آثارها، والقضاء على جذورها، وتشييد أركان دولة الحرية والقانون والمواطنة واحترام حقوق الإنسان، ومعالجة كل الأزمات، السياسي منها والأمني والاقتصادي والاجتماعي، مع الاهتمام بتوفير سبل العيش الكريم للمواطنين.
*تنفيذ الأهداف الكبيرة لن يتم إلا بالمحافظة على وحدة قُوى الثورة، وبحسن إدارة الفترة الانتقالية، لتقوية الجهاز المناعي لـ(قحت)، وتوسيع مظلتها، بالمحافظة على أعضائها الحاليين، والسعي لكسب حلفاء جدد، بلا حجر على أي مُكوِّن يؤمن بحتمية التغيير.
*الابتعاد عن الإقصاء سينقِّي البيئة السياسية، ويُقلِّص ضغائنها، ويُحاصر نزاعاتها، وسيساعدنا على كسر الدائرة الجهنمية، المتعلقة بانقلابات عسكرية تلي إخفاقاً تحصده القوى المدنية بعد كل ثورة.
*من الحصافة أن تنتبه قوى التغيير إلى أن خصومها يراهنون على خلافاتها الداخلية، ويتمنون بل وينتظرون أن تؤدي تلك النزاعات إلى إضعافها وتفتيتها، وتسهيل الإجهاز عليها في مرحلة لاحقة.
*لذلك يبقى التحدي الأكبر متعلقاً بمدى قدرة قوى الثورة على تحصين نفسها من عوامل التفتت، كي تضمن استقرار تحالفها الواسع، وتتمكن من بلوغ غاياتها.
*الهدف المذكور لن يتم إلا بترسيم متقن لحدود العلاقات الأفقية والرأسية التي تحكم مكونات قوى التغيير، ضماناً لاستقرار واستمرار التحالف بذات فعاليته الحالية.
*من الأهمية بمكان أن تتم مراجعة الآلية المستخدمة في صناعة القرار داخل التحالف العريض، منعاً للخلاف.
*لتوضيح مدى أهمية ذلك الملف نذكر أن قوى الكفاح المسلح المنضوية تحت لواء الحرية والتغيير شكت مراراً من تجاوزها في قراراتٍ مهمة، ومن عدم الاهتمام بتكوين هيئة قيادة فعَّالة ومُوحَّدة، تضمن إصدار القرارات بالتوافق، وأدى ذلك التذمر إلى سحب ممثلي الجبهة الثورية في تنسيقية قوى الثورة قبل فترة، ونخشى أن يتطور النزاع، ويؤدي لخروج تلك القوى المؤثرة من مظلة التحالف، وتحولها من خانة الحليف إلى مربع الخصومة.
*معلوم بالضرورة أن تكوين مجلس قيادة لتحالف بضخامة الحرية والتغيير ليس بالأمر الهيِّن، بسبب كثرة ووفرة المكونات المنضوية تحت لوائه، وصعوبة ابتداع ميزان دقيق، لقياس وزن وتأثير كل عضو على حدة، كما إن هيئة القيادة في مثل هذه التحالفات غالباً ما يتم تكوينها بمستوياتٍ أفقية، ومع ذلك نخشى أن يتسبب استمرار غياب الهيئة في تفتت تحالف كبير، دخل مرحلةً حساسةً، يُحتمل أن يتم التعامل معها بمبدأ تكبير الكوم، وحصد الغنائم.
*مطلوب من (قحت) أن توسع أفقها، وترتب أوراقها، وتُنظِّم صفوفها، وتجوِّد تكتيكاتها، لتضمن وحدتها واستقرارها وتوسع مظلتها، قبل أن تقدم على تكوين مستويات الفترة الانتقالية، منعاً لتنازعٍ قد يُضعفها ويُذهب ريحها، ويتسبب في فشلها، وانهيار مشروعها الكبير.
اليوم التالي