اطلق صحفيون مصريون اسم “مستفيد فوري “علي الصحفي مفيد فوزي ومفيد فوزي امد الله في ايامه وهو دفعة الجيل الثاني من الصحفيين المصرين عرف بأنه اكبر تاجر شنطة صحفية في مصر وعنده القدرة علي تحويل اللص الي شريف, والجبان الي شجاع , والغبي الجاهل الي عالم نحرير حتي” المثلي الخائب” يمكن ان يحوله الي عنتر ,المهم كم تدفع له, ونموذج “مستفيد فوري” تجده بكثرة في الأنظمة الشمولية لأن الأنظمة الشمولية من اول إهتماماتها البحث عن الشرعية , ولما كانت تعلم ان ذلك لايتوافر عند الذين إنقلبت عليهم اذن فلا سبيل لها إلآ ان تبحث في “بازار” المنافقين عن هذه البضاعة ,وفي تاريخ الإنظمة الشمولية في السودان كثرت هذه الإقلام التي تؤمن بان وظيفة القلم هي الوقوف عن الباطل وليس الوقوف مع الحق ومع جيب الحاكم وليس مع فقر الشعب .
ان مرض الانتهازية لا يصيب المثقفين والسياسيين وحدهم فقط , بل إن إعراضه قد تظهر علي فئات أخرى من الشعب كأن إن يكون هناك طالبا , أو عاملا, أو مزارعا انتهازيا , وان تكون هناك نساء انتهازيات , والانتهازية هي مرادف طبيعي للنفاق حيث يجري تلاقح فيروسي سهل بين الاثنين , فمن الاستحالة بمكان إن تجد انتهازيا دون إن يكون منافقا , أو تجد منافقا دون إن يكون انتهازيا , بل إن النفاق هو ركن قوي من أركان هذا الداء, وتحتاج السلطة الشمولية دائما إلي الانتهازي المنافق , كاتبا كان أم صحافيا ‘ أم أكاديميا , ويجد هؤلاء فيها مجالا مغناطيسيا يتم الانجذاب إليها بوصفها سلطة مستعدة لمنحهم ما يريدون, وتلجأ السلطة الشمولية أيضا إلي الانتهازيين إحساسا منها بان ماقامت به من انقلاب علي النظام الديمقراطى هو عمل غير شرعى ومرفوض سياسيا ولامبرر له سوى أنها تسعي إلي الحكم والي فرض برنامجها علي الآخرين بقوة السلاح , وهو البرنامج الذي فشلت في تنفيذه في العهد الد يمقراطي ولا أدل علي ذلك من قيام نظام ( الإنقاذ ) في أيامه الأولي باللجوء إلي عدد من الصحفيين الانتهازيين للترويج لمشروعه , وتهافت هؤلاء إلي مائدته من أول إيماءه , بينما قامت سلطات امن النظام الجديد باعتقال كل الصحفيين الشرفاء المناوئين لها وغير القابلين للمساومة أو الرشوة مرسلة إياهم إلي بيوت الأشباح, ومما أدهش الكثيرين إن صحافيا من هؤلاء كان قد كتب مقالة طويلة حذر فيها حكومة الصادق المهدي من مؤامرات يدبرها الإسلاميون ضد النظام الديمقراطي, بل وذهب إلي حد اتهام زعيمهم الترابي باتهامات يعجز القلم عن كتابتها غير إن الصحافي نفسه عاد وارتدى قناعا إسلامويا جديدا واجري مقابلة مطولة مع زعيم بارز من زعماء الانقلاب العسكرى قدم لها بالإساءة الشديدة إلي النظام الديمقراطي .
تتجلى الانتهازية في انصع صورها اذا كان لها نصوع في ذلك النموذج الذي أدمن تأييد الأنظمة الشمولية مثلما يدمن مريض تعاطي المخدرات, فهو تمرغ في تراب نظام مايو حتي اتسخت روحه وسخا ثقيلا فاختير مسئولا كبيرا لوزارة الإعلام , ثم صعد وزيرا لها وملحقا ثقافيا ثم سفيرا في دولة افريقية هامشية حتي طرده النميري في نشرة الثالثة المشهورة, وهذا النموذج له سماكة جلد تمساح , وبرود جليد السكا وصبر برص “ضب ” يجيد الكمون في انتظار فريسته ساعات وساعات وكان له في انقلاب الاسلامويين كما يسميهم حيدر إبراهيم رحلة زادها الارداة الشريرة والمكر , وما إن أعلن النظام الجديد عن دولته الإنقاذية وعاصمتها الخرطوم حتي رأيناه وزيرا لوزارة لها علاقة شديدة بالناس استخدمه الحكم “كعازل طبى “ليبعد عنه تهمة الاسلاموية, ولم يلبس أياما في الوزارة حتي لاحظ أصدقاؤه شعرا ابيض ينبت أسفل ذقنه وبالعناية والرعاية بدا الرجل وكأنه ورع صالح قادم من مملكة سنار القديمة, تغيرت مشيته , وأكثر من البسملة والحوقلة , وسارع بإعطاء الأوامر فورا لبناء مسجد ملحق بالوزارة مرفقا أوامره تلك بإنذارات مشددة لكل موظف يتأخرعن أداء الصلاة عند سماع الأذان, وروي عنه والعهدة علي الراوي انه عند زيارة شيخ النظام لحضور اجتماع ما بالوزارة فوجيء الموظفون بالوزير نفسه يرفع اذان الظهر فكان للشيخ ان يبادل ورعه بابتسامة ماكرة تكشف عن كثير ,ولم تمض اياما علي غرقه في التصوف الزائف حتي كان صاحبنا ملقيا في مذبلة النظام التي أعدها خصيصا لمثل هؤلاء, طرد كما تطرد الأسود الذئا ب من حول طريدة لم تشبع منها بعد , لم يستسلم الرجل للنازلة التي أحاقت به , وشوهد يبكى بكاء مرا إمام العراب الكبير الذي عطف عليه وسهل له لان يكون رئيسا لجمعية صداقة مع شعب أسيوي فالرجل مستعد دائما لان ينزل من درجة وزير إلي درجة خفير , ومن اعلي الجبل إلي سفحه, ويمارس الاستيربتيز حتي أخر قطعة من ملابسه , فهو انتهازي منافق نشفت ماء وجهه كما تنشف الليمونة بعد عصرها .
في مسيرته الانتهازية المليئة بحفر السقوط لم يدخر جهدا إلا وبذله من اجل الحفاظ علي مدرسته بعيدة عن المؤثرات والتأثير , فهو كومضة برق في الوصول إلي هدفه عوضه الديكتاتور عن وفاة عزيز له بان اسند إليه وزارة لها علاقة بالصورة والصوت وكان ذلك العزيز أعطاه ( الطريقة ) في الوصول إلي المستبد بعد إن داهمته نوبة قلبية حادة أودت به بعد ساعات من قصيدة شعر نافق فيه الديكتاتور فكان جزاء الله أسرع من جزاء الديكتاتور, بدأ النموذج مسيرته اشتراكيا خلال دراسته الجامعية , وبعد عودته من الخارج حيث نال درجة أكاديمية رفيعة انخرط ضمن موكب الكتبة المنافقين فى تدبيج مقالات بالصحف عن فكر القائد ورؤيته الثاقبة في تطبيق الاشتراكية السودانية , وظل يقف بباب السلطان زمانا حتى حدد له السلطان تاريخ انتهاء صلاحيته فأصبح أثرا بعد عين, وكنا قد أوردنا من قبل كيف إن هذا النموذج ارتكب اكبر مجزرة للصحفيين أرسل بموجبها العشرات منهم إلي الشارع , ولكن دعونا نتساءل عن مالأت هذا الرجل العجيب, هل خرج من عباءة الاشتراكية الزائفة وجلس علي حائط المبكى كي يحاسب نفسه عن جرائم ارتكبها ضد الآخرين ويرتدع عن العودة إلي سيرته السوداء القديمة , هل استيقظ ضميره بعد تخدير لازمه خلال مسيرته الملوثة , ليس من إجابة تقفز إمامنا سوي لا النفى, فالرجل بما له من سليقة جبلت علي الأخذ دون العطاء , وعلي الانحطاط دون الارتفاع , وعلي الإمعان في التلون دون الثبات علي لون واحد, سارع من أول وهلة ليعلن إسلامه من جديد علي ايدى فاتحين استخدموا الدبابة في غزوتهم علي الشعب , ركض ملهوفا وراء حكومة “اللحويون” الجدد الذين جاءوا إلي السلطة بليل يدفعهم نزوع قوى إلي السرقة والفساد باسم كتاب الله , عاوده دمله القديم فنبذ الاشتراكية الحاقدة الملحدة ليختار الشريعة الواعدة وليكسب رضي أولياء نعمته الحامدون الشاكرون وان يكون قريبا منهم قرر بضربة واحدة إن يلتحق بالحزب الحاكم في وظيفة مشبعة بالدولارات منزوعة من دسم المسئولية, وقد شوهد الرجل في أخر زيارة إلي مكتبه بقصر الصداقة يقف علي قدميه ساهيا بعد إن وجد شخصا يجلس علي كرسيه فلم يستطع مساءلته بعد إن اسر له احدهم بأنه بديل له جاء به الشيخ لم ييأس صاحبنا فهو كسفنجة يمتص الأساءات مادامت توصله الي اهدافه ولايابه لإخلاق وليس له وازع حين تستبد به شهوته للنساء ولايتورع ان يغازل زوجة صديقه وهو في حضرة بيته يتناول الطعام علي مائدتهوهذا ماحدا بالذين يعرفونه الا يدخلونه بيوتهم ابدا ,ولطالما نال الصفع من احدي سكرتيراته حين حاول إغوائها فقام بفصلها عن العمل وهويعلم تماما حاجة اسرتها الفقيرة لها, لقد وجد هذا الكائن مناخا طيبا في نظام ذوي اللحي المدببة الذين لا هم لهم سوي فروجهم فهم يحبون النساء كحبهم للحلويات ويختارون من كتاب الله سورة النساء مثلما يختار المستمع اغنية بعينها فصار علي دربهم فأثلث واربع من النساءولكن كل هذا لم يملأ عينه.
اختفي هذا الكائن العجيب فجأة عن المشهد السياسي حين رأي القارعة تقرع ابواب النظام ,ولأن قراءته كانت صحيحية ويعلم تماما ماذ يجري ويعلم تماما ان إنخراطه في النظام كان بقدر ما يصب في جيبه من مال فانه حتما يعيش حالة كمون يجهز “عدة شغله ” للمرحلة الجديدة فهو مستعد ان يكون ملحدا ,ومسلما سنيا ,وشيعيا , وشيوعيا وحتي بوذيا مادام هذه الوسائل توصله الي اهدافه.
siddiqmeheasi7@gmail.com