- ليس بالإمكان أفضل مما كان. هذا هو تعليقى الأول على الإتفاق السياسى بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكرى الإنقلابى الى حين ظهور الوثيقة الدستورية التى تفسر ما جاء فيه بشكل اكثر وضوحا وتمنحه الشرعية.
- الظروف التى يعيشها السودان والتدخلات الإقليمية والدولية الكبيرة في شأنه لم تكن تسمح في الوقت الرهن بتحقيق كل التطلعات. مناخ سياسى وأمنى هش، انهيار إقتصادى، ومحيط إقليمى متفجر. مشاركة العسكر في معادلة الحكم كان لا بد منها في الوقت الرهن لتجاوز الكثير من الصعاب والعقبات. صحيح أن الدولة المدنية المطلقة كانت وستظل أحد أهم تطلعات الشعب السودانى، وأحد أهم مطالب الثورة السودانية التى لن تتخلى عنها، إلا ان الواقع يحتم التعامل مع هذا المطلب بواقعية والقبول بمشاركة العسكر.
- ثلاثون عاما كاملة غابت فيها المدنية والديمقراطية، وظل السودان محكوما بنظام دكتاتورى فاسد، إتخذ من الدين ذريعة لكل جرائمه وأفعاله الفاسدة، وأنشأ دولة موازية خاصة به لكل مؤسسات الدولة. الجيش كان اول من عانى من التشريد والإضعاف والأدلجة والتنظيمات الموازية، لتحل محله في آخر الأمر مليشيات شبه عسكرية تفوقه قوة وعدة وعتادا وتشكل تهديدا خطيرا له. لو كان الجيش قويا، أو على الأقل بنفس القوة والوضع الذى كان فيهما قبل سيطرة المتأسلمين على السلطة في 30 يونيو، 1989 لما احتاج الى المليشيات وجهاز الأمن لينقلب على المخلوع تحت لافتة اللجنة الأمنية، وهنالك من لا يزال داخل الجيش يدين بالإنتماء للنظام البائد، الأمر الذى يتطلب إعادة بنائه الجيش، بالإضافة الى إعادة النظر في طبيعة الاجهزة الامنية وقوات الدعم السريع، بأسرع ما يمكن.
- إحتوى الإتفاق على معظم النقاط التى اتفق عليها من قبل، من حيث هياكل الحكم خلال الفترة الإنتقالية: مجلس سيادى، ومجلس تشريعى ومجلس وزراء، مع تأجيل قيام المجلس التشريعى لمدة ثلاثة أشهر. أنا شخصيا قلق جدا من هذا التأجيل، فما تستطيع الحصول عليه وأنت في الخارج، يصعب عليك ان تحصل عليه وانت في الداخل، خاصة ان سبب التأجيل سيظل قائما، وهو تخوف المجلس العسكرى من سن المجلس التشريعى لقوانين تؤثر على سلطة وأوضاع المؤسسات العسكرية وشبه العسكرية والمعاهدات المتورطة فيها.
- المثال الأكثر وضوحا لذلك هو قانون قوات الدعم السريع الذى يتيح لها الاستقلالية شبه الكاملة من القوات المسلحة ما عدا في حالة الطوارئ او صدور قرار من القائد الاعلى للقوات المسلحة (رأس الدولة) بتبعيتها للجيش. ما عدا هاتين الحالتين الواردتين في قانون قوات الدعم السريع لعام 2017، فإنها تظل مستقلة بشكل كامل عن الجيش ولا تخضع لسلطة القائد العام للقوات المسلحة، وهو وضع مختل يجب تصحيحه المستقبل. قائد قوات الدعم السريع الذى يشكل مركز الثقل في المعادلة العسكرية والسياسية والأمنية يخشى من تدخل المجلس التشريعى في الوضع الممنوح له ولقواته، لذلك عارض بقوة الاتفاق بتمكين قوى الحرية والتغيير من ثلثى مقاعد المجلس (67 % ) التى تتيح لها سن ما شاءت من قوانين، وتهديد اوضاعه ومصالحه، ولقد نجح أخيرا في الحصول على خيار آخر وهو تأجيل قيام المجلس التشريعى لمدة ثلاثة أشهر.
- أشك أن تقوم للمجلس قائمة إذا لم يعاد النظر في مساهمة قوى الحرية والتغيير فيه بما يطمئن (حميدتى) على اوضاعه. هذه النقطة في الاتفاق هى بالتأكيد لصالح المجلس العسكرى. في المقابل نجحت قوى الحرية والتغيير في تحقيق مطلبها بوجود أغلبية مدنية بمجلس السيادة الذى يتكون من 11 عضوا، ولكن بنجاح نسبى باعتبار أن اختيار العضو الحادى عشر يجب أن يكون بالتوافق بينها وبين المجلس العسكرى، وهو ما قد يجعله محايدا في اتخاذ مواقفه داخل المجلس، في المواقف التى تشهد نوعا من الخلاف واتوقع أن تكون كثيرة جدا.
- ينص البند 10 من الإتفاقية بأن الأعضاء العسكريين في المجلس السيادى هم من يختار وزير الدفاع ووزير الداخلية وهو وضع غريب جدا لانه يرتب وضعا إستثنائيا لهما في مجلس الوزراء عن بقية الأعضاء الآخرين، ويشل حرية رئيس المجلس في التعامل معهما، وينقص من سلطاته كشخص مسؤول عن كل ما يصدر من مجلسه من قرارات. من المؤكد أن يخلق هذا الوضع المختل إشكاليات كبيرة داخل مجلس الوزراء في كثير من القضايا التى لها صلة بالجيش والشرطة، وتصبح محل جدل وخلاف!!
هذه قراءة أولية للإتفاق .. في إنتظار صدور الوثيقة الدستورية لتتضح الصورة الكاملة !!
الجريدة