هل يطول بقاء البشير في نسيم المعتقل، حتى يتعمّق الجُرح، فنحن كما قال صلاح عبد الصبور: ( نحن لم ننس ولكن طول الجرح يغري بالتناسي، عندما يخلع صيف ثوبه من شتاء مكفهر قاس، وعلى عقبيهما يأتي خريفٌ مجدبٌ دونَ نداوة، وتعرّي كفّه العالم من كل بهاء وحلاوة، عندما ينقلب التذكارَ عبئًا وعذابًا وقصورًا، وبكاءً أخرس النبرة وحشيًّا ضريرًا)….؟.
لا يُنتظر من قادة المجلس العسكري تقديم البشير للمحاكمة إذا كانوا قد وجهوا إليه اتهامات من قبيل (غسيل الأموال وحيازة العملة)! فالبشير متورط في جريمة كبرى هي تقويض النظام الدستوري بقيادته للانقلاب العسكري في الثلاثين من يونيو1989م، ذلك بموجب الدعوى التي قدمها الرجل العظيم علي محمود حسنين المحامي، طيب الله ثراه.
ومنذ يوليو 2008م تنتظر البشير محاكمة أخرى في لاهاي بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية فى إقليم دارفور.
فهل يتطاول العهد به في السجن، وتموت القضايا، ويلعق الضحايا جراحهم وينتهي كل شيء بانتهاء مراسم الدفن؟.
إن محاكمته ورموز نظامه ستطفئ الكثير من الغضب وستزيل الكثير من المرارات، خاصة لدى ذوي الضحايا، كون البشير هو رمز الفساد في دولة الإسلام السياسي التي سقطت بثورة شعبية.
يجب أن يحاكموا في البدء على جريمة الانقلاب مرورا بجرائمهم ضد أهلنا في دارفور، شهداء رمضان، وملفات الفساد وقتل المتظاهرين السلميين…. كما تنتظرههم قضايا حول الأراضي التي سلبت من أصحابها، وصفقات مشبوهة وغير شرعية.
إن محاكمة البشير في لاهاي هي الأفضل لشعب السودان، لأن محاكمته هناك ستعيد بلادنا للأسرة الدولية؛ لأن محاكمته في بلاد الصقيع سيبترِّد بها حشا الأمهات، وربما تطفئ محاسبته الديون، كما ان تسليم (هذا البلاء) للخارج، يخدم قضية المصالحات في بلادنا، ويساهم في تنظيف سجل السودان في مجال حقوق الانسان.
إن التدمير الذي أحدثه البشير في أجهزة الدولة، خاصة في الجهاز القضائي لا يتيح له أن يُحاكم في الداخِل.
ولأجل إنصاف الضحايا وإحقاق الحق، وحتى ينتهي عهد الإفلات من العقاب يجب مثوله للعدالة الدولية.. يجب تسليمه اليوم قبل الغد، لأنه يواجه اتهامات في غاية الجدية من أعلى هيئة قضائية في العالم، فمحاكمته هناك لا تطعن في السيادة الوطنية لأن الجرائم التي اقترفها يحاسِب عليها القانون الإنساني الدولي والوطني.
إن محاكمته البشير – في الداخل أو في الخارج- ستكشف المزيد من المعلومات حول المنتفعين من النظام البائد، هذا إن تمكنت قوى الحرية والتغيير من إقامة المؤسسات العدلية والقضائية وفق مشروع الثورة السودانية،، فمتى يُقام العدل ويُحِق الحق فيه؟
إن كثرة الجرائم التي اقترفها البشير تجعل عمره لا يتسع لتنفيذ العقوبات عليه، بينما ستبقى أضراره على البلاد والعباد باقية وماثلة للعيان.
لكن وقبل كل شيء، أين هو الآن؟.
هل هو في كوبر – السجن أم في البيت – بعد أن ظهر كذا،، بالخاتم الرَّقاش في أصبعه، مقلوزاً للعمامة (الماخَمج) ونافخاً للهواء في جلبابه الأهيف الذي وشْوَشِه العبير؟!