✍ مضى البشير بسلبياته وايجابياته وذهبت حكومته بفسادها، ووصل من بعده الوضع الإقتصادي لأسوأ المراحل، في ظل غياب الحكومة الانتقالية، وفي ظل انشغال المسؤولين عن الوضع بمحاصصة السلطة ومفاوضات التقسيم والاتفاق السياسي وتوقيعه، وفي ظل اهتمام الميديا الاجتماعية بمآسي فض اعتصام القيادة والقتل والأذى الجسيم الذي لحق بالعُزّل متناسين مجازر الأسعار التي ذبحت الأسر، ورسوم الدراسة التي شرّدت الأطفال من المدارس، وتردّي الخدمات الحياتية وصعوبة “لقمة العيش” التي جعلت من أكثر من 80% من المواطنين يرزحون تحت خط الفقر، والسوق السوداني بلا حسيب وبلا ورقيب، وصار الحاكم الفعلي لاقتصاد السودان هو جشع تجار السوق الديكتاتوريين..
✍ إمتلأ السوق السوداني بأخطر شريحتين فاسدتين في المجتمع، السماسرة وتجار الأزمات، فقد تسببا بأعمالهما اللا-أخلاقية والجشع والطمع والبحث عن الثراء الفاحش، في تضييق المعيشة على المواطن السوداني البسيط، وحرمانه من قوته وقوت عياله، لدرجة أن صارت كثير من أسر البسطاء والفقراء لا تجد حتى ثمن “فتّة الفول والعدس” أو “كسرة بموية” لاسكات صراخ أطفالها، ولكن من يُصدق هذا في ظل اهتمام السياسيين المتفاوضين على السلطة بمجتمع المدينة والخرطوم فقط في تجاهل تام للمواطنين البسطاء والفقراء في أطراف البلاد، وفي ظل اهتمام الشباب السوداني بفض الاعتصام، وعدم تناوله عبر نشره الاعلامي ل “فض الروح” و “ألم الجوع” للمواطنين الذين يرزحون تحت خط الفقر، الجوع من خلفهم والمرض من أمامهم ولا يملكون ثمن العلاج وشركات الأدويّة وتجارها يعيشون وأسرهم وأطفالهم في رفاهية ويلبس نسائهم من “غوائش الذهب وخواتمه” ما يكفي سعره لاعالة قريّة كاملة..
✍ أفيقوا أيّها الشباب السوداني من تأثيرات “حُمّى السياسة” وخصومات المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحريّة والتغيير، اجعلوا ولو يوماً واحداً من أيام “مليونياتكم الثوريّة” التي من ظاهرها مصلحة الوطن وباطنها من قبله الكسب السياسي الحزبي، اجعلوها حملة شعواء ضد جشع تجار السوق الذين قتلوا البسطاء من الناس بالجوع والفقر والمرض، وجعلوا الموظف أو الانسان السوداني البسيط ينشد “ربع كيلو اللحمة” في الاسبوعين ولو لمرّةٍ واحدة ولا يتمكن من شرائه، بل ذهبوا لأبعد من ذلك في التضييق عليه، فصار كيلو العدس ب70 جنيه وكيلو الفول ب120 جنيه..
✍ دخل سماسرة وتجار أزمات السوق حتى في شراء ما لم يتم انتاجه وتحصيله في أرض الواقع، فاشتروا الألبان في ضروع أبقارها وقبل أن يتم حلبها ليبيعوها للمواطن المغلوب على أمره بسعر رطل اللبن الواحد “15 و 17 جنيه”، واشتروا انتاج مزارع الدواجن قبل أن “تبيض بيضها” ليبيعوها المواطن بسعر كيلو الفراخ 200 جنيه وطبق البيض ب160 جنيهاً، واشتروا الفواكه في اشجارها قبل أن تنضج ويحين قطافها، فصار كيلو الموز 30 جنيهاً ودستة البرتقال 120 جنيهاً ودستة “المنقة” 120 جنيهاً ولا حياة لمن تنادي..
✍ عالم مافيا الأدوية ومستنقع اطماع شركات الدواء وتماسيح تجار الأدوية وحيتان الصيادلة وأسعار “النجر والشطح”، والتكاليف الباهظة لمقابلة الأخصائيين بعياداتهم الخاصة، وقد تهربوا من المستشفيات الحكوميّة التي لا يلبثون فيها الا قليلاً، كسباً عن أرباح يوميّة عبر عياداتهم تصل الى 20 ألف أو يزيد في اليوم الواحد، كل هذا جعل الكثيرين من السودانيين يحملون الأمراض في أجسادهم لأجلٍ غير مُسمّى، فيتحمّلون آلامها ويأجّلون علاجها لتوفير تكلفة الأكل والشراب والتعليم لأبنائهم..
✍ كثير من الأطفال الفقراء تركوا الدراسة ونزلوا الأسواق ليعُولوا أسرهم فانشغلوا بمهن هامشيّة لا تسمن ولا تُغني من جوع، لدرجة أن يحمل بعضهم “مناديل الورق” أو “حلوى اللُبان” ويتجول في طرقات الأسفلت ليبيعها للمّارة، وللأسف يقابله البعض بالامتعاض والاستخفاف والبعض الآخر لا يستحي ويجادله في سعر “الجنهين والثلاثة جنيهات” بكل بخلٍ وشُح..
✍ بينما يظل الكثير منّا غارقاً في اللا-انسانية وغياب الضمير وتردّي الأخلاق، والطمع والجشع والظلم والأسوأ من ذلك “مرض الأنانيّة وحب النفس” الذي جعل الكثيرين يلهثون خلف الحياة بلا مبادئ وبلا قيم، فيتصارعون لكسب الخدمات الحياتيّة و”يتوسطون” ليأخذوا فرص غيرهم، ويمارسون الأنانيّة بكل بشاعتها، حتى صارت محاباة الأقارب والمعارف هي ديدن التعامل فيما بينهم في كل شئ، ولا عجب أن تلجأ أسرةٍ ما في مساعدة وتخليص ابنها المجرم الذي نهب وسرق مالاً عامّاً، فتسلك دروب “التوصيات” و “الوساطات” لسلب المصلحة العامة حقوقها وتعطيل إجراءات القضاء وتكريسها لصالح براءة ابنها زوراً وتلفيقاً..
✍ مالم تكن هنالك نهضة أخلاقية وتحقيق مفاهيم الاسلام وتعاليمه بكل قيمه وسماحته فلا نعشم في اصلاحات اقتصاديّة لا عبر “تكنوقراط” ولا عبر حكومة مدنيّة ولا عبر اتفاقيات سياسيّة.. ومن ينشد صلاحاً في غير منهج الله عزوجل للبشريّة فسيظل أبد الدهر حائراً تائهاً ضّالّاً عن طريق الحق..
✍ مشكلة السودان الأساسية، هي الانسان السوداني، هذا المورد الهام، مالم يتم تصحيح مفاهيمه وتحقيق تنميّة بشريّة لصناعة المواطن الايجابي ذو القيم والأخلاق الفاضلة، فسنظل أبد الدهر نبحث عن الحلول للأزمات والعلاج الناجع في غياب تام لتشخيص العلّة والمرض..