اعتصر الألم أسرة الشاب السوداني زكي مجدي، بعد أن ظل مختفيا 12 يوما لا تدري عنه شيئا منذ خروجه للتظاهر في مليونية الثلاثين من يونيو/حزيران الماضي، إلى أن عادت خدمة الإنترنت بعد عشرة أيام، وظهرت صورته محمولا والدماء تنهمر من رأسه، فتوجهت الأسرة إلى مشرحة مستشفى أم درمان ووجدته جثة هامدة.
حالة الشاب السوداني زكي مجدي (26 عاما) واحدة من العديد من القصص الحزينة لضحايا الاختفاء القسري في الثورة السودانية. لكن أسرة زكي تبدو محظوظة لتعرفها على مصير ابنها، في حين ما زال مصير مختفين آخرين مجهولا.
ويقول عثمان الجندي خال الشاب زكي مجدي “من المفارقات أن يوم إعلان وفاة ابن اخته وافق تاريخ ميلاده في 12 يوليو/تموز 1993، كما أن مكان ميلاده ووفاته تطابق في حي الموردة، وأصعب اللحظات كانت عندما وضع أمام اختبار إبلاغ شقيقته بوجود جثمان ابنها، لكنها أبدت صبرا ويقينا”.
وعبر مبادرة “مفقود” على فيسبوك، أعلن أمس الأحد العثور على أحد المفقودين، ويدعى أسامة أحمد محمود، حيث عثر عليه معتقلا في معتقل تابع لقوات الدعم السريع.
وبرزت قضية المفقودين بعد فض اعتصام القيادة العامة للجيش بالقوة فجر يوم الثالث من يونيو/حزيران الماضي. وعن عددهم يقول وائل مبارك خضر مسؤول الإعلام في مبادرة “مفقود” إن أحدث إحصائية للمفقودين حتى الآن هي 15 مفقودا.
أما مؤسس مبادرة “مفقود” يحيى حسين فيقول للجزيرة نت إنه تم العثور على نحو أربعين مفقودا بعد البحث في المستشفيات وأقسام الشرطة والمشرحة.
وعن فكرة مبادرة “مفقود”، يوضح مبارك للجزيرة نت أن المبادرة “انطلقت بعد خمسة أيام من مجزرة القيادة؛ إثر ظهور عدد كبير من بلاغات المفقودين، فتم إنشاء صفحة للمجموعة على فيسبوك، ووصل عدد المتابعين لها أكثر من ثلاثين ألفا”.
وبحسب خضر، فإن أعضاء الصفحة يتبادلون المعلومات، ويساعدون في نشر بلاغات الفقدان، ولاحقا تم اختيار لجنة تنسيقية من ستة أشخاص ولجنة ميدانية لمراجعة المستشفيات والمشارح.
وتتواصل المبادرة بشكل مباشر مع ذوي المفقودين لمعرفة أوصافهم وتواريخ الفقدان، كما يتم إبلاغ أسرهم بأي جثة تظهر في أي مشرحة بهدف التعرف عليها.
ونشرت مبادرة “مفقود” على فيسبوك صورا لعدد من المفقودين مع معلومات مختصرة تشمل الاسم وتاريخ الفقدان، كما ساعد أعضاء الصفحة في بث مقاطع فيديو تظهر بعض المفقودين أثناء فض الاعتصام. ونشرت قائمة للمفقودين في فض الاعتصام والتظاهرات والمليونيات، وكل الأحداث التي لها علاقة بالثورة.
ويقول وائل مبارك إن المجموعة مخصصة لمفقودي الثورة، ولديها قائمة خاصة بهم يتم تحديثها باستمرار، ولكن رغم ذلك تتعامل مع طلبات مساعدة للعثور على مفقودين لظروف أخرى، متعهدا بتخصيص الصفحة مستقبلا لضحايا الاختفاء القسري بشكل عام.
تحقق
أما لجنة أطباء السودان المركزية فلديها قائمة أخرى للمفقودين تضم 38 مفقودا، وبحسب عضو اللجنة الطبيب مهند محمد حامد فإن اللجنة تعتمد الإحصائية الأعلى حتى يثبت العكس.
ويذكر حامد للجزيرة نت أن بعض المفقودين تم العثور على جثثهم في المشارح، مثل زكي، وهناك آخرون في المعتقلات مثل المفقود أسامة حسن. مشيرا إلى أن مشرحة مستشفى “بشائر” جنوبي الخرطوم تضم حاليا خمسة جثث مجهولة الهوية لصعوبة التعرف عليها.
ويضيف أن جثثا من الممكن أن تكون قابعة في قاع نهر النيل، فثمة جثة طفت قرب شاطئ جزيرة توتي بالخرطوم قبل أيام، ولم يتم التعرف عليها حتى الآن، حيث انتشلت جثث بعد أيام من فض الاعتصام، وجدت مقيدة بكتل إسمنتية.
وبشأن تصعيد قضية المفقودين، يقول عضو لجنة الأطباء “إن تحالف المحامين الديمقراطيين يعمل على الملف جنائيا بإعداد قوائم الشهداء والمصابين والمفقودين، تمهيدا لفتح بلاغات في انتظار السلطة القضائية المستقلة في الحكومة المدنية القادمة”.
ويتزايد الاهتمام بالمفقودين بشكل مضطرد بعد مقتل العشرات وإصابة المئات في حادثة فض الاعتصام، وأدانت قوى إعلان الحرية والتغيير في بيان لها أمس الأول السبت الاختفاء القسري الذي طال مئات الشباب والشابات عقب فض الاعتصام، واعتبرته جريمة ضد الإنسانية تفوق القتل.
وتعهد التحالف الذي يقود الحراك “ببذل كل الجهد في سبيل كشف الجناة في هذه المجزرة وتقصي آثارها المدمرة وتداعياتها”، كما دعا تجمع المهنيين وحلفاؤه في قوى الحرية والتغيير إلى مواكب تخصص للمفقودين مساء الاثنين بالخرطوم والولايات.
وتعمل المبادرة على جمع صور المفقودين ومعلوماتهم لإنجاز تصاميم لصورهم توزع على لجان الأحياء التي ستخرج في مواكب المفقودين مساء اليوم الاثنين في الخرطوم ومدن البلاد.
وتقول مجموعة “مفقود” على فيسبوك إنها ستوزع خلال مواكب المفقودين صورا لبعض المفقودين في محطات النقل العام والجامعات والشركات والمؤسسات الحكومية، فضلا عن ملصقات جدارية في الأحياء للمفقودين.
وطبقا لوائل مبارك، فإن السودانيين في دول المهجر سيعلنون تضامنهم مع المفقودين في الوقت ذاته عبر وقفات احتجاجية أمام سفارات السودان.المصدر : الجزيرة