المؤتمر الاقتصادي أجدى من الدستوري والحكم الرئاسي “خطير”
الطموح الشخصي لبعض قيادات الحركات المسلحة لا يتحقق في الإطار القومي
حكومة تكنوقراط بدون خلفية سياسية.. أكذوبة
أهم مهام الحكومة المدنية المحاكمات السريعة لمن نفذ الانقلاب وقوض الدستور
حاوره في القاهرة: سيبويه يوسف
يعدُّ د. حيدر ابراهيم علي من أبرز المفكرين السودانيين، وقد أفرد جزءاً كبيراً من مشروعه الفكري لنقد الإسلام السياسي.
نال الدكتوراه في الفلسفة من جامعة فرانكفورت، متخصصاً في علم الاجتماع الديني، وأسس في عام 1992م مركز الدراسات السودانية بالقاهرة، ونشر كثيراً من المؤلفات أبرزها “سقوط المشروع الحضاري”، و”مراجعة الاسلاميين: كسب الدنيا وخسارة الدين”، و”أزمة الإسلام السياسي: الجبهة الإسلامية نموذجاً”، و”لاهوت التحرير”، و”الدين والثروة في العالم الثالث”، و”الديمقراطية والمجتمع المدني في السودان”، و”التيارات الإسلامية وقضية الديمقراطية”، وغيرها.
هذا الحوار الذي اختص به الدكتور حيدر “التحرير” سياحة فكرية حول مستقبل الإسلام السياسي في السودان، والراهن السياسي في السودان والمستقبل المنتظر بعد ثورة 19 ديسمبر.
كيف تنظر للراهن السوداني ومستقبله بعد ثورة 19 ديسمبر؟
اولا بالنسبة إلى ما حدث في السودان، أراه الاستقلال الحقيقي للبلاد؛ لأن استقلال 1956 كان شكلياً، وما حدث ثورة ذات أبعاد فكرية وسياسية واجتماعية. ثورة اجتماعية حسب القوة المجتمعية، ومعظمها من فئة الشباب والمرأة، وتمثل فعلاً حقيقياً، وهذا يعدُّ تطوراً جديداً، فمن قادوا الثورة لم يكن لهم انتماءات سياسية واضحة مثل الثورات السابقة، مثلاً ثورة اكتوبر كانت تقودها جبهة الهيئات، وفي أبريل كان هناك التجمع النقابي، وفي التجربتين لم تتمكن جبهة الهيئات أو التجمع النقابي من الحفاظ علي هويتهما، وتمكنت الأحزاب التقليدية من استغلال الوضع لصالحها، أما اليوم يبدو الوضع مختلفاً تماماً، إذ إن القوة الاجتماعية تجاوزت قيادتها أحياناً في تحالف قوي الحرية والتغيير، وتعدّ القوة الأكثر حداثة، ولها رؤية واضحة في الإطار الفكري والثقافي، ولديها أساليبها الإبداعية والأناشيد والهتافات، وهذا المنتج يطالب بالدولة المدنية وترفض الحكم العسكري والديني في السودان، وتعدّ ثورة شعبية رافضة للإسلام السياسي، وتمثل ثورة فكرية تحتاج إلى التطوير
من
المنتظر أن تحقق تغييراً حقيقيا رغم الشد والجذب من المجلس العسكري، وتمثل هذه
الثورة معنى الاستقلال الحقيقي للسودان، وأضيف إن هنالك كثيراً من المهام التي
تنتظر المرحلة، أهمها: تحقيق السلام والتنمية بعد تكوين الحكومة المدنية، بجانب الاهتمام
بالنظام التعليمي، الذي يجب أن يكون شاملاً. وأطالب بتصفية الجامعات ذات التوجه
الإيديولوجي، مثل: جامعة ام درمان الإسلامية، ومثيلاتها من الجامعات ذات التوجه
الإيديولوجي، وأن تربط الجامعات والمعاهد بسوق العمل.
هنالك كثير من المفكرين والناشطين سياسياً كان يستبعدون حدوث ثورة في السودان، كيف تنظر إلى ذلك؟
في تقديري أن نظام الإنقاذ طيلة 30 عاماً لم يجد معارضة فعالة، وكان انقلاب 30 يونيو مكشوفاً للجميع، كأن هناك تواطؤاً بين الأحزاب السياسية والجبهة الإسلامية القومية لتسليم السلطة، ومن ثم، لم تكن هناك معارضة حقيقية، لاسيما أن التجمع الوطني الذي كان يرأسه محمد عثمان الميرغني، كان بلا عضوية أو موارد مالية أو إعلامية، وبعدها دخل السودان مرحلة المزايدة مع الحركات المسلحة لا سيما جيش الحركة الشعبية لتحرير السودان، وعرفنا جيوشاً جديدة مثل جيش الفتح ومجموعة الأسود الحرة، وكان الجهد العسكري خصماً من العمل المدني، وحتي الحديث عن الانتفاضة المحمية بالسلاح، في تقديري يعدّ من أسباب التشويش الضار، وفي المقابل هناك تقارب فكري بين الاحزاب الطائفية والجبهة الإسلامية في المطالبة بدولة دينية.
فترة الإنقاذ أحدثت غربلة فكرية ومفاهمية تركت آثاراً عميقة في المجتمع السوداني؟
ما حدث في السودان يمثل تناقضاً واضحاً، وإن الإنقاذ كانت تحمل تناقضها في داخلها؛ لأن هؤلاء الشباب ولدوا ونشؤوا في فترة الإنقاذ، وهذا التناقض حقق الوعي ضد الدولة التي تقوم على الفكرة الدينية.
المطالبة بحكومة تكنوقراط بلا خلفية سياسية تعدّ تحدياً للحكومة المدنية في مرحلة تتميز بتحديات من الغدر السياسي، كيف ترون ذلك؟
من المستحيل أن نتحدث عن حكومة تكنوقراط بدون خلفية سياسية، وهناك خلط بين السياسي والحزبي، ولذلك ضرورة اختيار حكومة تكنوقراط بخلفية سياسية بدون انتماءات حزبية صارخة، ومن المستحيل أن نجد في السودان أكمل دراسته لوم يكن مسيساً في مرحلة من مراحل حياته.
صراعات المحاور ساهمت في تأخير إكمال صورة الثورة السودانية، ما رأيكم؟
أولاً أنا أؤمن بالعامل الذاتي للثورة، وأن دول المحور ليست لها إيديولوجيا محددة، وإنما تؤثر عبر الجانب المالي فقط، ونجد حتى دول المحاور تتعرض لضغوط دولية وإقليمية للخروج من المشهد السوداني.
هناك انتقادات تعلقت بالأداء العام لتحالف قوى الحرية والتغيير يتمثل في الخلافات البينية، وإدارة ملف التفاوض
كيان الحرية والتغيير يعدّ شكلاً جبهوياً، متباين الاتجاهات، ويجب أن يتم التوافق على الحد الأدنى، ولابد من قيادة تنسيقية تمثل شخصاً واحداً لكل فصيل أو تيار.
هناك من يرى أن التنسيقية شكل من أشكال السكرتارية التنفيذية، ولابد من وجود قيادة سياسية عليا تتعامل مع القرارات السيادية؟
في تقديري وجود هيئة سياسية لا يفيد، وأمامنا تجربة التجمع الوطني التي كانت تجربة فاشلة، وهذا الوضع لن يحل المشكلة، والمشكلة أن عدداً من الأحزاب رأت إن الأحداث سبقتها، وتعمل اليوم علي سبق الأحداث، ونطالع أحاديث تصف شباب الثورة بضعف التجربة والخبرة، فما المانع أن يمنح زعماء الأحزاب خبراتهم للشباب، وأن المرحلة مرحلة عطاء وتضحيات وليست مرحلة مغانم.
الإعلانان السياسي والدستوري هواجس متعلقة بين السلطات الثلاثة إلى أي مدي تحمل الترتيبات للحد من طموح العسكر؟
أعتقد أن كل تلك الإشكالات سوف تكون محلولة، في حالة تكوين الحكومة المدنية. حكومة ذات قدرات جيدة، وسوف يكون الثقل كله لدى الجهاز التنفيذي، وان كان قوياً لا تحتاج إلى مجلس السيادة أو المجلس التشريعي، ولا يمكن أن يكون لها دور معطل إذا كانت حكومة قوية فعلاً.
كل السودان ينظر إلى المؤتمر القومي الدستوري لمعالجة كل القضايا السوداني كيف تصورك للوضع؟
منذ الاستقلال نتحدث عن المؤتمر الدستوري كأنه عصا سحرية لحل كل مشكلات السودان، وفي تقديري أنها تحل بمزيد من الديمقراطية والتنمية، وللحقيقة كل دساتير السودان السابقة تمت صياغتها في ظل حكومات عسكرية، والمشكلة ليست في الدستور، وإنما في الوعي السياسي، والدستور يساهم في تعقيد المشكلات، وأتمنى ان يعقد مؤتمر اقتصادي بدلاً من المؤتمر الدستوري؛ لينتشل السودان من الفقر والتخلف.
بعض الأطراف السودانية ما زالت تدعو إلى تقرير المصير بعد الثورة… إلى أي مدى يمكن أن يساهم في تعقيد المشهد السوداني؟
في تقديري أن بعض الحركات الجهوية والإقليمية لديها مشكلات حقيقية، وبعض النخب تظن بانها لن تتمكن من تحقيق طموحها الشخصي داخل الإطار القومي، وتقرير المصير مرتبط لدينا بالانفصال، وهذا يمثل توجه الحركات المسلحة، وهذا الأمر يمثل مشكلة حقيقية للبلاد.
وتظل مسالة الخيار بين حكم برلماني وحكم رئاسي يثير جدلاً بين السودانيين.. كيف تنظر إلى ذلك؟
النظام الرئاسي مخاطرة أكبر، لأن الرئيس سوف يتحول إلى ديكتاتور، ولذلك أفضل النظام البرلماني، الذي يقوم على انتخابات حديثة، تتجاوز الدوائر الجغرافية السابقة التي أوجدها المستعمر، وتمثل حلقات قبلية وجهوية. يجب قيام انتخابات على التمثيل النسبي.
مازالت أجسام المؤتمر الوطني قائمة وتمثل تهديداً للثورة، ما رأيكم؟
أعتقد أن من مهام الحكومة المدنية القيام بمحاكمات سريعة تطال من نفذ الانقلاب وقوض الدستور، ومحاكمة كل من ارتكب جرائم في حق الشعب السوداني وثرواته وموارده.
ومن المهم ان يواصل أهل القانون كافة الإجراءات
التي بدأها الراحل علي محمود حسنين، ويجب سحب ومصادرة الشركات والمكاسب التي حُققت
بواسطة استغلال السلطة، ولابد من تحكيم العدالة وإضعاف القوة الاقتصادية للجبهة
الإسلامية، ويتم إقصاؤهم حتى على المستوي الاجتماعي.
على المستوى الشخصي، أين دور
مركز الدراسات السودانية في المرحلة المقبلة؟
أجتهد في هذه المرحلة
لإعداد” منفستو” عن دور المركز في المرحلة المقبلة، حتى يكون له دور
فكري كبير، ولدي تصور لأربعة مراكز تختص بالإصدارات والندوات وأكاديمية للفنون
ومعهد للعلوم والتقنيات والتدريب، مع التركيز في فئة المرأة والشباب، وتفعيل منبر
الشباب، وأن يكون المركز (لامركزياً) بحيث تكون له فروع في كل أقاليم ومدن
السودان، وهناك عدد من الندوات التي يتم إعدادها أهمها قضايا الانتخابات، وتطوير
الحياة الحزبية، وتوسيع قاعدة المشاركة، والهامش والمركز وقضايا الهوية، ومؤتمر
اقتصادي، وندوة عن تجديد اليسار السوداني، وندوة عن تيار إسلامي ديمقراطي.
رسائل بريدية لهؤلاء:
تحالف الحرية والتغيير:
ضرورة الوصول إلى الحد الأدنى
من الإجماع حول القضايا المركزية، وعدم الانشغال بالخلافات الهامشية، وإن العمل
السياسي في بلد مثل السودان، يحتاج إلى التضحية وإنكار الذات، وليس بحثاً عن
المغانم والامتيازات، والحكومة المدنية قادمة … قادمة مولودة من رحم ثورة ناجحة
وفريدة.
المجلس العسكري الانتقالي:
أتمنى أن تكون القوات المسلحة
منحازة للحقيقة، ومنحازة لمصالح الشعب، وألا يكون لنظام الحزب الواحد الذي دام 30
عاماً، وأثر في عقيدة الجيش القومية.
الممانعون من الحركات المسلحة:
الثورة ليست وليمة يدعى إليها
الناس، ولكن مبادرة في المشاركة للعمل الشعبي، ولجيفارا مقولة شهيرة لتعريف
الثوري” هو آخر من يأكل وآخر من ينام، وأول من يتقدم الصفوف، وآخر من يسأل عن
الغنيمة”، وأهديهم قصيدة جيفارا لأحمد نجم فؤاد.