ما قدمته اليوم (30 يوليو 2019م) لجنة تقصي الحقائق التي شكلها حزب الأمة القومي حول مجزرة فض الاعتصام يمثل أساساً قوياً تبني عليه اللجنة الوطنية المحايدة التي يطالب بها الشرفاء من كل التوجهات، على أن يكون عملها بإشراف دولي أو إقليمي.
إن أهم ما جاء في تقرير هذه اللجنة هو أن فض الاعتصام كان مخططاً له، وجرى بتعمد وترصد واضحين، كما لو أن مرتكبي هذه الجريمة البشعة التي راح ضحيتها كثيرون استشهاداً وجرحاً واغتصاباً وإذلالاً كانوا يريدون قمع الثورة تماماً، وتخويف المواطنين، ليرضوا بالأمر الواقع الذي هو حكم العسكر.
كما أن التحقيق لم يستثن أي قوة نظامية من المشاركة في ارتكاب الجريمة، سواء الدعم السريع، أو الشرطة، أو الجيش، وبالطبع الأمن والمخابرات يأتي في مقدمة المخططين والمنفذين، وهذا ما يهدم الثقة بين المواطنين ورجال الأمن الذين يفترض أن يكونوا حماة الوطن.
ولعل من أهم توصيات اللجنة عدم تجاوز الانتهاكات التي ارتكبها النظام البائد، فقد راح شهداء ومصابون بسبب ما مورس من عنف ووحشية من الأجهزة الأمنية، وكتائب الظل، وأذرع النظام الباطشة، وهذا ما يجب الانتباه إليه، وعدم إهماله في خضم التركيز في جريمة الفض.
كما أن هذا التقرير بمؤشراته يمثل صفعة لأولئك الذين أعدوا تقريراً باهتاً ينسب إلى النيابة العامة، بما يعطي دليلاً على ما آلت إليه أجهزة العدلية من تردٍ أخلاقي، مما يجعل إصلاحها أهم مهام الحكم المدني، لأن العدل أساس الحكم.
وما ارتكبه المجرمون في الأبيض من فظاعات تشير إلى استعدادهم للمضي في طريق الدم إلى أبعد مدى ممكن، وهذا ما ينذر بالخطر، ويثير الخوف على مستقبل البلد.
وتتوزع مشاعر المخلصين من أبناء الوطن وهم يشهدون ويعايشون القتل المجاني بين عملية سياسية يجب بذل كل جهد ممكن لإنجاحها حتى تؤول السلطة إلى حكومة مدنية تنقل الوطن إلى براح الديمقراطية والحياة الكريمة، وبين إحساس بالغبن تجاه شركاء في هذه العملية يظلون محل اتهام سواء بالتخطيط أو التنفيذ أو التغافل، مع تربص خارجي لا تخطئه الأعين، وهذا ما يتطلب أقصى درجات ضبط النفس، واستدعاء الحكمة، لتفويت الفرصة على أعداء الداخل والخارج معاً.
إن مبادرة حزب الأمة بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول فض الاعتصام خطوة تستحق الإطراء والإشادة، كما أنها تجعلنا نؤمل أن تتعامل أحزابنا السودانية -وهي أساس أي حكم ديمقراطي رشيد- بجدية مع قضايا الوطن بعيداً من المشاكسات الحزبية، والانتصارات الآنية التي تمهد لتقويض الديمقراطية؛ لتتلقنا أيادي العسكر بصلفها وبطشها وفشلها بالطبع.