في العرف السوداني ..عندما تتوفى امراة صغيرة السن نسبيا ولها اطفال صغار ..في غمرة الحزن والناس مكلمون ..تجد ان هناك احاديث خافتة تدور حول وجوب اختيار زوجة للزوج الأرمل ..وفي أغلب الاحيان يقع الاختيار على اخت الزوجة ..وربما بعد ايام قلائل من (رفع الفراش) تسمع بعقد القران ..تلخصه النسوة بعبارة (ناس فلان قعدو في برشهم) ..والجملة تعني ان الارمل اختار ان يتزوج من ذات البيت والاطفال ستكون حاضنتهم خالتهم.
هذا الامر يستدعي دائما امتعاض الكثيرات وتذهب الحسرات تترى على الراحلة التي لم يحترم احد ذكراها وتسمع عبارة (ما كان ينتظر الاربعين على الأقل ) ..لكن لو نظرت الى الامر من زاوية اخرى ..لوجدت ان المنزل بحاجة الى من يسير الامور ..والاطفال في حوجة الى رعاية ..والخالة خير من تضمد جراحهم فهي ادرى بحالتهم وجرحها جرحهم.
وحكينا القصة دي ليييه؟ لكي اتساءل واجد من يجيبني على سؤالي (لماذا لا يتم اعلان الحكومة حتى الآن؟) لماذا لا تتم تسمية الوزراء ورئيس الوزراء والجهاز التنفيذي باكمله وهو امر محسوم منذ بداية المفاوضات ؟؟ ولا دخل له بمقاعد مجلس السيادة ولا المحاصصات او الحصانات او كل تلك المصطلحات التي رشحت الى السطح هذه الأيام!! ..
البلد في امس الحوجة الى حكومة ..تنظم الامر وتعيد الامور الى نصابها فمن غير الممكن استمرار حالة الجمود هذه ..والذين يرفعون شعار القصاص اولا ..عليهم الاجابة على سؤال من هو ذلك الذي سيأتي بالقصاص ؟ واين هي المحاكم المستقلة التي ستنظر في ملفات قضايا القصاص ؟ ..آخذين في الاعتبار خيبة الامل التي انتابت الكثيرين عند اعلان نتيجة لجنة تقصي حقائق احداث فض الاعتصام.
قبل فترة قصيرة قرات مقالا للاستاذ راشد عبد القادر ..(كان يشبه احداث هذه الأيام بالفتنة الكبرى التي حدثت بعد مقتل سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه .. ..اذ ان الامام علي (كرم الله وجهه) كان يرى ان استتباب الامن وتمكين الدولة اولى ومن ثم يطارد قتلة عثمان ..لكن الزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله والسيدة عائشة (رضي الله عنهم اجمعين ) كان يرون رأيا مخالفا ويطالبون بالثأر قبل كل شئ ..فكانت موقعة الجمل الشهيرة ..ومن ثم استشرت الفتنة ولم تستقر الدولة بعد ذلك ولم يرتاح الامام علي الا في قبره بعد مقتله على يد عبد الرحمن بن ملجم ) ..انتبهت بعد قراءتي لمقال راشد عبد القادر ..انني لا أعرف قاتل عثمان بن عفان ..تخيلوا ان كل الحروب تلك قامت للمطالبة بثأره ..ولم يتعرف احد عليه حتى الان وتفرق دم عثمان بين القبائل ..عثمان جامع القرآن ..ذو النورين ..مجهز جيش العسرة ..احد المبشرين بالجنة ..مات مقتولا ولقي ربه صائما وفاضت روحه وهو يتلو القرآن …وقيدت الجريمة ضد مجهول.
المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير يعلمون تمام العلم ان الدولة خالية من المؤسسات وتعمل بنظرية رزق اليوم باليوم ..ولابد لها من حكومة سريعة ..والامر المتفق عليه ان الحكومة الانتقالية هي حكومة كفاءات مستقلة ..اي أن الاحزاب او الحركات المسلحة وكل الكيانات المنضوية تحت لواء السودان لا علاقة لها بها …يبقى السؤال المفصلي ..من او ماذا تنتظرون لاعلان الحكومة ؟؟ وما هي الاسباب الجوهرية التي تؤخر هذا الاعلان ؟؟ ..اذ كان من الممكن ببساطة تسمية رئيس الوزراء المستقل الذي بدوره سيختار وزرائه ..وتبدأ الحكومة في عملها وتعيد الامور الى نصابها ..بينما تستمر المفاوضات في طريقها على (اقل من مهلها ) ..
..التظاهرات التي تخرج كل يوم في منطقة ما في السودان والشهداء الذين نحتسبهم كل ساعة ..لا يعني ذلك ان الشعب قد ادمن التظاهر او ان الأرواح صارت رخيصة او اننا اعتدنا منظر الموت وفقد الشباب …لكن الشعب مل الانتظار ويحتاج الى رؤية نتائج عملية على أرض الواقع ..الشعب الذي منحكم التفويض مرة بعد اخرى ..يعلم حرصكم على مكتسبات الثورة وخوفكم من فقدانها ..لكن احيانا نحتاج الى حكمة (القعاد في البرش) ..واستعجال اعلان عقد القرآن حتى تستقيم الامور ..وتعود الحياة الى طبيعتها .. .
اعلان الحكومة الانتقالية وتسمية رئيس الوزراء هو الخطوة المرجوة حاليا ..ومن ثم تعقبها خطوات تسمية وزير العدل وتفويض اللجان المستقلة لتقصي الحقائق واعلان النتائج بشفافية وبعدها تتم المقاضاة واعلان الاحكام ..قميص عثمان الذي تم رفعه قديما ..كان شعارا الهب عاطفة المسلمين ..لكنه لم ينتهي الى نتيجة حاسمة تشفى الغليل.. في المقابل الامور انزلقت الى فوضى لم تتوقف الا بانتهاء حكم الراشدين ..لذلك ندعو الى تحكيم العقل ..ورفع شعار قميص يوسف الذي كان سبب عودة البصر الى ابيه.. ويا قوى الحرية والتغيير ..اني لكم من الناصحين ..(اقعدوا في برشكم وكونوا الحكومة الانتقالية اليوم قبل الغد).