أجبرتني التطورات المتسارعة في السودان وقسوتها الماثلة على الكتابة مباشرة دون انتظار للنشر في الصحف التي تلزمني بالكتابة في أيام محددة، أو تلك التي لا تنشره في الداخل، رغم المتغيرات الجديدة التي ظننت أنها أتاحت لها حريتها التي افتقدتها في ظل النظام السابق.
للأسف كلما نتفاءل مع جماهير الشعب الثائرة بقرب اكتمال الاتفاق حول ترتيبات الفترة الانتقالية والانتقال عملياً إلى الحكم المدني الديمقراطي نفاجأ بصدمة أخرى تفجعنا، مثل ما حدث قبل يومين من غدر وقتل للطلاب الذين خرجوا في مظاهرات سلمية في الأبيض احتجاجاً على الأوضاع المعيشية الأصعب المتفاقمة دون أي مسعى لعلاجها
معروف أن هذا الغدر المتعمد على المتظاهرين السلميين ليس الأول من نوعه، فقد تكررت عملية سفك دم الأبرياء وجرح اخرين لتستمر حالة (اللااستقرار) بكل تداعياتها السالبة على مجمل الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
للأسف تستمر التصريحات الهيولية اللامبالية مثل نتائج لجان التحقيق في أحداث القتل والغدر، ومثل التصريحات التي أدلى بها رئيس المجلس العسكري الصوري عبدالفتاح البرهان لعدد من الصحافيين بدم بار، وهو يبرئ مجلسه من الجرجرة والمماطلة التي برع فيها هو ومجلسه الانقلابي منذ بدء التفاوض مع قوى الحرية والتغيير.
هكذا عاد الوضع في السودان إلى مرحلة ما قبل إعلان المجلس الانقلابي انحيازه الشكلاني للإرادة الشعبية، وعادت المظاهرت تندلع في كل مدن السودان يتصدرها هذه المرة طالبات وطلاب المدارس الذين خرجوا معبرين عن استنكارهم للغدر والقتل لطلاب الأبيض، ومطالبين بالقصاص من القتلة.
قدمت الجزيرة مباشر مشهداً مؤثراً لطفل صغير يقف وحده في الشارع وهو يحمل لافتة مكتوب عليها ” مقتل طالب مقتل امة”؛ مجسداً بعفوية سودانية سادت كل الشارع السوداني دون تحريض أوإعداد مسبق او انتظار لما تسفر عنه المفاوضات المرتقبة بين المجلس وقوى الحرية والتغيير.
مع ذلك نتمسك بالحل السلمي المدني الديمقراطي الذي أجمعت عليه الجماهير الثائرة رغم مؤامرات مخلفات النظام السابق وكوادره التي مازالت تعمل على تازيم الموقف سياسياً واقتصادياً وخدمياً وأمنياً.
لم يعد هناك وقت للمماطلة والمزايدة، ولا التنظير السياسي الذي يفرق بدلاً من أن يجمع، ولا لمحاولات عرقلة عملية استكمال دفع استحقاقات الاتفاق المنتظر ولابد من إجازة الوثيقة الدستورية التي تعبر عن تطلعات الشعب في السلام الحرية والعدالة، وقفل الطريق أمام المتآمرين أعداء الثورة الشعبية السلمية.