حملة رش الباعوض لا تقتل الاسود
قال أيوب السجستاني (لاينبل الرجل حتى تكون فيه خصلتان: العفة عن الناس والتجاوز عنهم)
تتلبد السماء هذه الايام بسحب كاذبة، وبروق باهتة، ورعد غير مسموع، مترصدة ارض يصرف تاريخها عنها كل رش ضار، ويحول حاضرها مانع بينها وامام الانصار، هذه السحب السوداء بحقدها اللهم لاحوالينا ولا علينا..
خذ من كل شئ تنقصه الفاكهة الحلوة اذا ما اخذت منها تذوب ويختفي مذاقها من اللسان ليحل محلها مذاق اخر، وان اخذت جزء منها وتركتها تتعفن على حلاوتها. حتى الجبال الشم اذا ما اخذت منها حجر تنقصها، واضرب على كل شئ توجعه او تترك عليه اثر، ولكن من مجالب الانتحار محاولة الاخذ من الاخيار!!
أتعرفون من هو الامام الصادق؟ هو من ليس بينه وبين الامام المهدي الا والد وجد!! وأي تعريف له غير هذا يسئ الادب معه!! ورغم هذا التعريف اترككم والتاريخ أن كنتم عليه مطّلعون، فهو الحكم العدل..
ما الذي تنكرونه عن لبّ الامام وعقله وبيانه وفصله ورسالته؟؟
لم يدعي الامام بأن وحي يأتيه من السماء ليحكم في الناس ويخطب ويظهر ويحجب، الا ان وحي الانسانية المقدسة يغذيه من الارض التي روى ثراها دم اجداده مغذياً شريانه ومفصحاً لسانه ومهذباً كيانه..
ظل الامام من مياسير الفكر، وكريمي الذكر، وان نفسه ليس له، انما هي قوة وطنية وقيمة عالمية، لها رسالة، ورسالتها نصرة الحق ومحاربة البؤس واعلاء القيم، وبذل النصح، ونبذ الخصام.
لذلك عاش الامام باسقاََ على الرامي، ودانياً من المرمى.. والحمد لله الذي ميزه بالعلم من الجهل، وبالفصاحة من المجاجة، وبالمحبة من العزلة، وبالروحانيات من الماديات. فالله هو الرافع الخافض وهو المعز المذل..
أن الكراهية منشاءها الجهل. والحقد مفسدة للنيات. وخازل للغايات. ومن يسعدون بالكراهية ابعد مايكونون عن السعادة بالحب. فهؤلاء يحلقون في السماء حيث زهى الامام وتعظم، وأولائك يلتصقون بالأرض حيث ذل الجاهل واستكن. وردئ الكلام لايسلب رداء الامام، الذي تظلله غمامة الحكمة، من لهيب الفتنة. والروح التي يظلّمها الحقد لايضئها التشفي. لذلك اشفق على بعض المتحزبين بغبن والثأئرين بعاطفة والمنساقون بتغييب، من داء ٍدواءه الانزواء ومصيره الموت. والموت على سوء الخواتيم دار مقامه جحيم التاريخ..
كل كلمة مسمومة القاها بسيط فهم معوج سهم عليه، لا وقاه الله شرها ثم شهادة البشر..
فاذا غاب عنكم حال الامام ولم تعلموا مقدار قدره فأدرسوا كتبه واسمعوا الى خطبه فهما شاهدان لايكذبان. قولوا عنه ماتشاءون ولن تنالوا منه ما تشتهون..
أن كذبه قوماً يُعد فقد صدّقه أخر لا يُعد، وهذه هي تكاليف من يحمل عظيم الرسالات دائما. فبعد هذا البعد المعرفي عنه وعن معارفه ومواقفه، بلغنا انكم فقراء تحتاجون الى زكاة عقله، فأنه بيت فكر المفكرين، ونادي السياسيين، وشيخ الوطنيين، وهادي المتطرفين أن سمعوا..
ان قالوا عنه شاعر فهو شاعر الادب، وان قالوا عنه مجنون فهو مجنون الوطن، ولو علم صنوفه وعلومه عامة الناس لصاروا خاصتهم ولما تجرؤوا حتى على شكره.
ارموه بألالفاظ ايها الافظاظ، فقصاد كل لفظ وضيع منكم حكمة بالغة منه، ويمين كل اتهام له موقف حر منه، وشمال كل تشويه له جميل للمسيرة منه.
انصحكم بأغتنام كلماته اذا تكلم، وخطواته اذا سار، ونظراته اذا حدق، ولاءته اذا حذر، فلعلها شوافي لدائكم. كلما رميتموه بالقنابل انتجتم منه السنابل. وقد بين أن رده ليس لمن هو ضده بل لمن يجهل قصده.
فرميكم عليه رمى الكفيف في ظلام ليل الخريف. سخروا جهد هجومكم عليه بالبحث عنه وتجردوا ستجدوه..
عندما لف الظلام البهيم سلاسله بساق الوطن، كان هو من سهر على ايقاد نور فجره المنتظر، من الداخل أن سُمح له، ومن وراء البحار أن اطّر غير مأثوم. وعندما دعا النظام البائد لاقتسام سلطة الشعب وثروته معه مناصفة كان هو من أمتنع. فأين كنتم عندما أشتد حر هذه المواقف وتبرجت لكم السلطة وفتنتم بها وتحسستم نعيم الثروة وانكفأتم عليها، الا أن الدورب الحارة لايسير عليها الا الاحرار أمثال الامام، لانه مخلص وطني، ووطني خالص. ليس ذكري لمحاسنه، على شاكلة ان اذكروا محاسن موتاكم، كلا بل هي ان اذكروا محاسن احياءكم وحكماءكم..
وأن كان شخصي غير مؤهل لذكرها كلها الا انني ادلكم الى أهل الفكر ان كنتم لا تعلمون، والى قرنائه المثقفين، وانداده السياسيين، ورفقائه المكافحين، الوطنيين منهم والدوليين. سيحدثونكم عنه حديث القيثارة على ايادي لاتيني، ويجلونه لكم جلاء الصبح لعتمة الليل، وابحثوا عنه في مراجع السير ستجدون له الف صفحة مرصعة بالدرر، لا يقابلها ولا ذكر لكم على هوامشها. وقبل ان تلهثوا ورائه ويجف لعابكم ستجدون الخبر، وتشعرون بالاثر. فحينها ستتثقفون بسيرته وتنهلون من روضته ويترك باب الانصاف مفتوح لاصحاب الضمائر، لا أهل الهوى ولا أصحاب الضغائن..
راهقوا فهذا طور حياتي هناك من يموت عليه وهناك من يرشد، إلا أن المراهقة تمارس مع الانداد وليس مع الاسياد. ولا يضير الامام قول من لا يصدق قوله حتى وان كان على اليمين..
اهدتنا الدهور زعماء ونصّبت عليهم زعيم فكان هو. واهدتنا حكماء ونصّبت عليهم حكيم فكان هو. وانزلت علينا الدنيا من شرورها اشرارا مساكين فكانوا هم..
النيل من النيل ينفع من ينيل منه دون نقصان، ولايضره ما القى عليه، فهو متجدد متجرد يذوّب ما القى عليه ويختفي ويبقى النيل جاري الى ان يصب في بحور العالم محلياً مياهها وإن اتى من فج عميق، هكذا هو الامام.
من بصم لنا في قوائم الشرفاء والحكماء هو الصادق المهدي. ومن شكلنا تاريخهم هم المهديون الذين بنوا اركان الوطن الأربعة، وصرته الخامسة. شرع شراعها ودحبوبة في صرته الوسط وفي الغرب قاد دفته التعايشي. وفي الشرق سن جاقوسه عثمان دقنه. وفي الشمال جدف له ود النجومي في عواتي الأمواج. وفي الجنوب جدف له السلطان عجبنا في وعر الادغال. هذه هي مركب الانصار حاملة الوطن..
فبأي آلة ستمزق اوراق التاريخ وتلغي بصمات الحاضر!!. من لا تعلم اكثر منه تعلّم منه، فهذا من الادب. ومن لم تبلغ مقامه تدرّج عليه، فهذا من التواضع. ومن لم تقدر على صيده لا تضيع سهامك فيه، فهذا من الحماقة..
اهمزوه والمزوه، فإنكم لاتقربوه ولن تهزموه، فكلاكما مورده الويل. ان مقامات الشرفاء محفوظة وشرف المقام بازغ وبزوغ الزعماء موروث بتجديد، وجديد التجديد إمامة الامام. إن اردت خسارة معركة فخضها بسلاح ضعيف، وشخص غير شريف. وخسارة الرجل العظيم تأتي بخسران الذات. وما تنتجه ضعاف العقول عادة ما تتجاوزه كبارها.
ان خالفوه في موقف فثق بأن موقفه صحيح. وأن وصفوه بقبيح فتأكد بأنه جميل. وإن اتهموه بباطل فتيقن انه على حق. خذ قولهم واعكسه يتبين لك الصواب، ويبين لك الخطاب.
لاتغامر بمعركة مع زعيم قوي وانت ضعيف، ستذوقك انكر الهزائم، وتجلبك ابشع الشتائم، الا ان هنالك صنوفاً لا تدرك اللذة الا بألالم. هذا سم منته الصلاحية وباطل الفاعلية، ولا خيار لكم معه بين هاتين المنزلتين اما الاستلهام او الاستسلام..
والسلام…