عبر مؤتمر صحفي أمس، لخَّص الحزب الشيوعي السوداني موقفه من الراهن السياسي، فأعلن رفضه التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، وطالب بحلِّ قوات الدعم السريع، وغيرها من الشروط.. ثم قرر الامتناع عن المشاركة في المفاوضات أو مؤسسات الحكم الانتقالي، لكن دون الخروج من أسوار قوى إعلان الحرية والتغيير.
بهذا الموقف يحجز الحزب الشيوعي مقعده مبكرا كأول حزب معارض لحكومة الفترة الانتقالية، مما يضع بقية قوى الحرية والتغيير في تحدٍّ كبير.. فالحكم خلال الفترة الانتقالية مهمة عسيرة للغاية في ظل الشراكة المعطوبة مع المجلس السيادي ومحاصصات أكثر عطبا متوقعة في المجلس التشريعي.. وخروج لاعب سياسي مهم في وزن الحزب الشيوعي سيضعف كثيرا أداء بل وحتى تماسك قوى الحرية والتغيير.
ربما يربح الحزب الشيوعي من عزوفه عن مؤسسات الحكم الانتقالي بالتفرغ لتطوير الحزب، لكن في المقابل يخسر كثيرا بفقدان التأثير المباشر على القرار الحكومي الذي يصنع مستقبل السودان.
الشروط التي وضعها الحزب الشيوعي لا تبدو منطقية في ظل الوضع الراهن، فثمة أسئلة مهمة معلقة، مثلا؛ إذا امتنعت قوى الحرية والتغيير عن التفاوض مع المجلس العسكري الانتقالي، فكيف تتسلم الحكم؟ ألا يُعَدُّ مثل هذا الطلب تعزيزا لفرص بقاء المجلس العسكري منفردا في سدة الحكم؟ بل ومسنودا بمبررات قوية بذريعة عدم التوصل لاتفاق نقل السلطة إلى الممثل الشرعي حاليا للشعب السوداني، قوى الحرية والتغيير.
في تقديري؛ إن الأوضاع الراهنة والمخاطر المحدقة بالبلاد تتطلب وضع أولوية قصوى لنقل السلطة من المجلس العسكري الانتقالي إلى سلطة مدنية كاملة.. وكلما تأخر هذا الانتقال زادت فرص الانزلاق إلى سيناريوهات مجهولة الأبوين.
المطلوب الآن، التوقيع على الوثيقة الدستورية فورا، مهما كانت الثقوب والعيوب التي فيها، ثم تسلَّم مؤسسات الحكم في كافة المستويات، بما فيها المجلس التشريعي الذي لا طائل من تأجيله.. لأن ذلك يعني عمليا الانتقال من مرحلة الثورة إلى مرحلة بناء الدولة، وهي المرحلة التي ينتظرها الشعب السوداني ببالغ الصبر والنبل حتى يحقق أحلامه في بلد كريم موفور الوقار الدولي.
نقدِّر موقف الحزب الشيوعي السوداني، لكن الأفضل أن يراجعه، صحيح ربما من حسابات حزبية داخلية قد يربح، لكن بكل يقين الخسارة أكبر على المستوى القومي..
وقد يكون أول الخاسرين تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير نفسه.
التيار