بعد نضال مستميت وتعب وجروح عميقة مؤلمة والتضحية بكثير من ارواح الشباب الغض الذين سالت دماؤهم الزكية ابحرا ارتوت منها ارض الوطن البكر .. وبتفاعل لم يحدث له مثيل من قبل مع الثورة وجهاد متواصل شهده كل العالم من كنداكات الوطن الاستثنائيات اعلنت قوى الحرية والتغيير وبعد جهد جهيد وتخطيط مكين تكوين الحكومة المدنية بعد مشادات ومكايدات وتراجع وايقاف للتفاوض مرات ومرات .. واختارت للحكومة وزراء خبراء من الكفاءات العالية من ابناء هذا الوطن المتسع الارجاء متنوع المتخصصين والعلماء والخبراء الوطنيين الشرفاء.. واقسموا جميعا ان ينقذوا هذا الشعب الطيب من انهيار اوضاعه العامة ومراراته الاليمة بسبب فشل حكم الانقاذ البائد.. ووضع الوطن وشعبه على وزراء الحكومة المدنية الآمال العراض لتحقيق ما لم يتحقق لهم من قبل من تطور ونماء وسلام.
و اخلاصا منهم سيبدأ الوزراء اعمالهم بنفس منفتحة وعزم اكيد وبتخطيط محكم ومشاريع انمائية ناجحة ويساعدهم في ذلك وقفة الوطنيين من جميع ارجاء العالم.. ويدعمهم انفتاح الوطن على دول العالم كافة… فالسودان ستعود له الروح والثقة من جديد.. بحرية ومدنية وسلمية وديمقراطية.. وسيستعيد مكانته ويتحكر ويمد ارجله بارتياح في الساحة الدولية … وسيصبح دولة ذات زمالة دولية.. لا ترعى الارهاب فيفرض عليها عقوبات دولية… وسترفع بكل ثقة علمها خفاقا في كل تجمع حضاري و منظمات دولية.. وتحترم القوانين الدولية وترعى السلم العالمي ..
وبدواعي ذلك كله ينفتح باب السودان واسعا على جميع الدول ويصدر منتجاته المتنوعة من زراعية وصناعية ومعادن وذهب وصمغ وقطن وابقار وضأن ولحوم مبردة ومنتجات متعددة ومتنوعية من مشاريعه الزراعية والصناعية المتقدمة التي يتحكم فيها وحده لا المستثمرون الاجانب الذين استغلوا خيرات الوطن بثمن بخس..
ولكن الحكومة المدنية هذه..حكومة الكفاءات ..حكومة ثورة الشباب ..وثورة 19 ديسمبر الظافرة رغم ما سيبذله القائمون عليها من جهد ونجاح لم يكن يتصورون ما يعده لهم بمكر ودهاء الاعداء الذين لا مصلحة لهم في ما يعملون ويسعون له من خير الى الوطن ومواطنيه ..وقد كشفهم حميدتي مؤخرا حين قال: (نحن المجلس العسكري ما أخرنا المفاوضات مع قوى الحرية والتغيير اخروها ناس عندهم اجندة..)… وهؤلاء بالتأكيد هم من اعدوا خطط معارضة لا مثيل لها لاسقاط الحكومة المدنية هذه ودكها دكا وإعادة حكومتهم الراشدة الماجدة كما يدعون الى سابق عهدها لتسود وتحكم من جديد ووظفوا اموالهم الطائلة وقنواتهم الفضائية وصحفهم الواسعة الانتشار لبث ونشر الفرقة والاختلاف والتشتت بين مؤيدي الثورة والحكومة المدنية وسيعارضونها بضراوة ليدخلوا الشك وعدم الثقة في نفوس المواطنين والشباب بادعائهم بأن الوزير الفلاني اختلس من المال العام ومدير المشروع العلاني وظف اخاه وخاله.. وذاك الوزير شيوعي وذاك يساري وعلماني..وكل مشاريع الحكومة المدنية فشلت وستفشل … و.. و…و.. وسيحاولون مواجهتها بمعارضة شرسة في المجلس التشريعي بعدم تمرير مشاريعها وخططها للتنمية وقراراتها.. وسيلوح بمعارضتهم في الافق فشل الحكومة المدنية في تحقيق اهدف الثورة التي قدم خلالها الكثير من ابناء هذا الشعب ارواحهم وسينجح هؤلاء الاعداء في محاصرتها وخنقها وتدمير سعيها في النجاح المنشود وسيتململ الشعب ويتضجر ويصيبه الاحباط في تحقيق مبتغاه وتطلعه لوطن مدني متقدم متحضر كان يأمل ان تحققه له الحكومة المدنية بقدراتها وخبراتها وكفاءاتها>
كل ذلك كان يدور في رأسه وكل هذه التصورات والتخيلات تشغل باله ويتوجس من ما ستواجهه الحكومة المدنية التي ستكونها قوى الحرية والتغيير من معارضة بغير وجه حق ولا مصداقية من اعداء الثورة الذين سيسخرون كل الوسائل الممكنة لافشالها خلال فترة الثلاث سنوات المحددة لها…
اغلق جهاز التلفزيون الذي كان يتابع من خلاله برنامجا سخيفا يستضيف مقدمه السمج شخصيتين من المعارضة يوجهان في معظم كلامهما النقد المبرح والهادم والظالم لبنود وثيقة الإعلان الدستوري التي وقعتها قوى الحرية والتغيير والمجلس الوطني بالاحرف الاولى .. وصاح ثائرا بأعلى صوته: إنهما ثورة مضادة.. وغلبه النعاس فدخل غرفة نومه مصابا بدوار وصداع وآلام في كل اعضاء جسمه مما يخالجه من خوف وتوجس على ضياع الثورة واهدافها التي ضحى الشباب والشعب السوداني من اجلها .. تقلب في فراشه ذات اليمين وذات الشمال وتارة ينقلب على بطنه من شدة الارق والارهاق والسهر ..واخذته نومة عميقة وشخيرمتواصل… جماعة غريبة الاشكال لا تشبه البشر..ظنها من شياطين الجن من شدة غرابتها..ذات أجسام ضخمة وقامات طويلة مخيفة واسنان غليظة حادة ومخالب مفترسة وبلحى سوداء تلامس الارض.. ملامحهم يبدو عليها علامات الشر والجريمة وكل ما يعادي الإنسانية.. وترافق ظهورهم المرعب مع اصوات الرعد المخيفة واشعة البرق التي تجهر العيون .. وعم المكان دخان اسود كثيف منع الرؤية .. الناس في هرج ومرج وفي حيرة من امرهم ويستغربون من ظهور هذه الجماعة المفترسة الغريبة عليهم … ويسألون بعضهم بعضا من اين اتى هؤلاء ومن ارسلهم؟؟..
تعالت اصوات الجماعة بهتافاتهم .. (لا لدنيا قد عملنا..) … وفي طرفة عين انقصوا بضراوة على كل وزراء الحكومة المدنية ونهشوهم واحدا واحدا بمخالبهم الجارحة وقتلوهم شر قتلة بلا رحمة .. ولا قلب عطوف ولم يكتفوا بذلك بل احرقوا كل ثمار ومحصولات المشاريع الزراعية ودمروا كل المصانع وهربوا بالذهب الى مكان غير معلوم وأجهزوا بذلك على كل آمال الشعب السوداني وكل تضحيات الشباب وارواحهم ودمائهم الزكية… وتنادى الناس وعلا صوت الشباب ..حرية عدالة وسلمية .. دم الشهداء قصاص… وامتلأت الشوارع بالمتظاهرين شبابا وكنداكات.. واعلن المذيع بصوته الرخيم قيام ثورة الضباط الاحرار واستلام الجيش للسلطة وأمتلات المكان بصوت المارشات العسكرية..
استيقظت الاسرة جميعها بعد نوم عميق وأمسك هو برأسه بكلتا يديه من شدة آلامه المبرحة ولعن الشيطان ثم حكى لهم ما رأى في منامه المخيف فبادرته امه بنبرة صوت حزين : فالك فال عدوك يا وليدي..