ترددت قبل أن أستعير هذا الكتاب من مكتبة ميريلاند؛ لأن عنوانه يوحي بأنه من كتب الإثارة، لكني غيرت رأيي بعد الإطلاع عليه، فقد وجدته رواية واقعية تحكي عن بعض المواقف والمشاهد الصادمة في بلادنا المنكوبة التي أصبحت طاردة لمواطنيها.
إنه كتاب”صخب ونساء وكاتب مغمور” للكاتب العراقي على بدر الذي أقرأ له لأول مرة، لكنني اكتشفت قدراته الإبداعية في تجسيد جوانب من الواقع المأساوي في بلادنا التي دفعت الكثير من أبنائها للهجرة والاغتراب والمغامرة من أجل اللجوء في بلاد أخرى لعل وعسى.
صحيح أنه يحكي عن تجربة عراقية تبدو كأنها من نسج خياله كما أوحى بذلك في خواتيم الرواية، لكنها تعبر بصورة حادة عن بعض المشاهد والمواقف الصادمة في مجتمعاتنا دون حصرها في مدينة دون غيرها.
الرواية تحكي عن عالم من الصخب والنساء والفنانين والأدباء الذين يلتقون في إستديو صغير في بغداد يشاركهم الكاتب المغمور، الذي لا أستبعد أن يكون هو المؤلف نفسه، الذي كان يحلم بكتابة رواية تدر عليه المال، وتنقله إلى عالم أكثر استقراراً وهناءً.
أبطال الرواية هم سعاد التركمانية الممثلة التي عاشت حياة متقلبة من عشيقة لأحد كبار الضباط في حكومة سابقة إلى عاهرة في الفنادق الرخيصة، وعباس الذي يقع في حب”عيشة” المغربية عبر الرسائل التي كان يكتبها له الكاتب المغمور الذي نافسه في حبها؛ ليكتشفا في النهاية أن عيشة شخصية وهمية ابتزتهما وورطتهما في صفقات خاسرة، ووليد الشاعر الفاشل الذي يعيش على حساب الآخرين، وتماري التي انتهى بها الطاف بعد حياة متقلبة أيضاً للزواج من أحد المهاجرين إلى السويد.
لن أحكي لكم تفاصيل المشاهد والمواقف التي احتشدت بها الرواية التي حاول فيها علي بدر التعبير عن أحلام الكثير من شبابنا في الهجرة والاغتراب، لكنني أتوقف معكم عند بعض الفقرات التي خلص لها الكاتب مثل قوله : حدود .. حواجز، خرائط، جمارك، أجهزة امنية وشرطية لحماية الحدود … هذا ما تبقى من الاوطان، الوطن لدى حكوماتنا هو الحدود .. كيف يمكنني عبورها؟.
يختتم الكاتب روايته قائلاً : استبدلت الهجرة الحقيقية بهجرة خيالية في الرواية .. كنت بحاجة إلى أن أشتم : أي مصيبة نشتريها بالفلوس.. جرائمنا، قتلانا، حروبنا، الذين شنقوا، الذين عذبوا.. القتلى بسبب الهزر السياسي … نحن الجيل الأخير من عرقنا.. عشنا على مأدبة كبرى من الأخطاء .. نحن جيل الأخطاء.. حلمنا على وسادة تاريخنا .. حلمنا بكل شيء .. بالصخب والحب والنساء، وبما لاأدري لكننا حلمنا بالطريقة الخطأ.
انتهت رواية علي بدر لكنها تركتنا في مواجهة أنفسنا وحيرتنا وقلقنا الوجودي وسط عالم مشحون بالويلات والخيبات العامة والخاصة.