يعد سؤال السياسة التحريرية المتبعة حاليا في المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة في السودان من قنوات وصحف احد الأسئلة العالقة غير المتوفر على اجابة واضحة. السياسة التحريرية الراهنة، ماهي سماتها ومحدداتها وهوياتها؟ هل جرت تعديلات متفق عليها بين هيئات التحرير وقيادات المؤسسات الإعلامية وفق ما هو متبع في المتغيرات السياسية التي تقع؟ بل وفق أي مبررات يتم ذلك؟ هل الانحياز للمجلس العسكري هو الهادي للبوصلة الحالية؟هل المبرر التجاري هو الذي يتصدر المبررات ؟ ام يترك الأمر على هوى المحررين والصحفيين والمنتجين الإخباريين واتجاهاتهم واختياراتهم الشخصية؟
مكمن حرج الإعلام الحكومي والخاص في هذا الخصوص و في هذه الظروف هو التغيير الذي سيقع بعد تشكيل الحكومة المدنية و بالتالي عدم قدرته على خلق وضعية التضاد والصدام مع مالكي المؤسسات الإعلامية ذوي الانتماءات والميول والالتزامات السياسية الواضحة للنظام السياسي والأيديولوجي القديم في خدمة مصالح بقائه ( ما عدا قلة منهم) .
السياسة التحريرية وبما هو متعارف عليه في ناصية وقواعد علم ومعلومات الإعلاميين هي جملة المواقف والمبادئ التي تنطلق منها وترتكز عليها أي موسسة إعلامية ، فكيف يا ترى تمضي داخل تلك المؤسسات في هذه الأيام ، علما بان المراقب يلاحظ انها وفي العدد الغالب من القنوات والصحف تبذل جهودا براغماتية لا تخفى مكرا وتحايلا على جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين في علاقتها بالثورة مثلما هي السهرة التي أشاهدها حاليا لمجموعة من المطربين الذين يجتمعون على غناء هابط بالثورة يذكرنا موقف المطربين الانتهازيين التاريخي بالانقلابات وليس الثورات.
ذلك هو وضع الخطا الذي يحتاج وبتفكير علمي ينحاز لعلوم الإعلام لمعالجة سريعة وحاسمة دون ارتهان لأي عواطف أو شخصنة الفكرة والدعوة واعتبارها استهدافا لنفر أو جماعة بعينها. هذا ان اردنا تعطيل مصادر الفتنة والإرباك للرأي العام المنحاز للثورة والتغيير. ان تغيير بنية الاقتصاد بشكل عام والاقتصاد الإعلامي بنحو خاص بسحب تراخيص المنشآت الإعلامية من قنوات وصحف وشركات تابعة لرؤوس أموال النظام السابق او امتلاك العاملين بها عن طريق الأسهم باللجوء إلى بنوك وغيره تعد اولوية من أولويات السلطة الانتقالية القادمة.
لا يمكن ان تتشكل شخصية التغيير بدون مكافحة مؤسسات النظام القديم وكوادره التي مل الشعب قراءة ما تكتب وتقول عبر الإذاعات والقنوات وكانما لم تقع ثورة مجيدة وعظيمة ببلادنا. استمرار تلك الظاهرة وبكافة مؤسساتها وشخوصها يورث احباطا عاما و مشاعر سلبية في الرأي العام وقوى الثورة الحية يا مجلس يا عسكري ويا شباب الحرية والتغيير.
لا تزال ملكية صحيفة الرأي العام تتبع للمؤتمر الوطني وزمرة من رجاله، وكذلك ألوان والصيحة والسوداني والانتباهة والمجهر وغيرهم لراسماليين ارتبطوا بالنظام البائد .لا تزال قنوات تلفزيونية ملك النظام القديم ورجاله وكذلك الهيئة القومية للإذاعة والتلفزيون. الفتنة الإعلامية كسلاح مضاد للثورة ابلغ اثرا من أي سلاح عادي.السلاح العادي يقتل ويحصي أرواحا بعينها( وهي ليست رخيصة) ولكن الإعلام المضاد يفتك بروح الثورة والتغيير. في انتظار مواكب تصفية الاقتصاد الإعلامي ومؤسساته البائدة . تلفزيون السودان كنموذج وبعض صحف وأقلام مأجورة. تنتصر الثورة فقط عندما نمتلك الاقتصاد والإعلام واشياء أخرى في حينها تقال.