لا شك انها اخطر واحرج واميز وظيفة رئيس وزراء تمر على وطننا السودان منذ الاستقلال، ولا تقل عظمة ولا مكانة ولا عبقرية ولا مسؤولية في غاية الاهمية والتفرد من وظيفة رئيس وزراء حكومة ما بعد الاستقلال العام 1956 التي ظفر بها اول رئيس وزراء وهو الزعيم اسماعيل الازهري، حيث ان ذلك كان بداية تأسيس دولة السودان المستقلة، وبناء مؤسساتها للحكم والادارة، وبناء كيان للدولة الوليدة، وبالمقابل فإن مسؤولية رئيس وزراء الحكومة المدنية المقبلة او حكومة ثورة 19ديسمبر 2019 ثورة الشباب السوداني الواعي المناضل الجسور الذي كسر بعزة وجسارة قيود الانقاذ الظالمة.. مسؤولية جسيمة وصعبة وذات حجم كبير.. ولكنها في الوقت نفسه وظيفة تاريخية عظيمة بقدر عظمة وكفاءة من يملأ مكانها ويتسنم عرشها العالي المجيد لانها تؤسس لدولة السودان الحديث الجديد المدنية بحريتها وسلميتها وعدالتها ودستورها الدائم المحكم ومؤسساتها القاعدية الفاعلة المبنية بالكفاءة والخبرة القانونية.
فمن اذن هذا الرئيس المتميز في الوظيفة المتميزة… وما هي مميزاته وقدراته ومؤهلاته وخبراته؟؟.. فهل هو إداري قوي مهاب.. ام اداري متخصص قدير تسنده خبراته السابقة ام هو سياسي محنك يدير حكومته بذكاء وحكمة وتمرس؟؟ او… او… الخ..
ولتقريب الرؤية اكثر كلنا يتذكر ما حظي به السيد الصادق المهدي زعيم حزب الامة من تأييد ووقوف معه في انتخابات ما بعد ثورة رجب ابريل 1985م، وبعد حكومة الفريق سوار الدهب وحصوله على 86 دائرة انتخابية وفوزه برئاسة اول حكومة بعد تلك الثورة ومع التقدير الكبير للسيد الصادق المهدي وبرئاسته للوزراء قبل ذلك في العام 1967م، وخبراته المتعددة لكونه رئيسا لحزب له تاريخ عريق في السياسة السودانية إلا انه لم يحالفه الحظ ولم يتوفق في ادارة حكومته بالطريقة التي تؤدي الى خروج الدولة من ازماتها المتعددة آنذاك، وكان نتيجة ذلك وقوعها في براثن انقلاب حزب الجبهة القومية الاسلامية الكريه الذي كان نهايته انزلاق الدولة الى الانهيار التام الذي نعيشه اليوم..
وربما يرى محللون سياسيون ان هناك مبررات لفشل السيد الصادق المهدي بحيث أنه لا يتحمل وزر ذلك الفشل لوحده لانه لم يملك الاغلبية الميكانيكية التى تجعل حزبه يكون الحكومة بمفرده، ويتحمل مسؤوليتها ما جعله يكونها مشاركة مع الحزبين الاتحادي الديمقراطي وحزب الجبهة القومية في حكومتين مختلفتين، وبالتالي فان سياسات هذه الاحزاب لم تكن متوافقة مع بعضها السبب الذي اجهض مقدرتها في ادارة تلك الفترة بالصورة المثلى…ولكن ما ذنب الشعب الذي ينتظر النجاح لا الفشل.. ومهما يكن فهو اخفاق وفشل يسند الى رئيس الوزراء.
ولاننا لا نريد ايجاد مبررات فشل لمهمة رئيس وزراء الحكومة المدنية لان المعضلات التي ستواجهه بينة ومعروفة وواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار متمثلة في ورثة ثقيلة من نظام الانقاذ الفاشل وانهيار كامل في الدولة ترافقه معارضة شرسة غير صادقة من مؤيديه وسدنته.. وضرورة تفكيك مؤسساته الفاسدة…كل ذلك وغيره كثير من مسؤوليات رئيس وزراء الحكومة المدنية..
ولنا مثال صادق ومتميز اخرج ماليزيا من ازمات مستفحلة وكانت تعيش مشكلات عديدة ورغم ذلك استطاع رجل المرحلة والرجل الذي سطع نجمه في سماء السياسة الآسيوية مابين 1981- 2003 رئيس الوزراء مهاتير محمد وهو من نقل ماليزيا من دولة زراعية الى دولة صناعية متقدمة حيث بلغ ناتج الصناعة والخدمات 90 في المئة وصادرات السلع المصنعة 85 في المئة.. ألم ينجب وطني رئيس وزراء مقتدرا فنستعير مهاتير ماليزيا لينقذ هذا الشعب الذي عانى كثيرا من الفشل المتكرر من ساسته الذين عجزوا تماما عن القيام بواجباتهم الوطنية ..
على اي حال الفرصة مواتية هذه المرة والمناخ الثوري في قمة تأججه والوعي الشبابي والشعبي ناره مشتعلة فمن يقع عليه الاختيار فهو سوداني اصيل وجبل لا تهزه الريح وقوي ومسنود بالملايين مع الشعب السوداني صفا من خلفه بالوقفة الصامدةالشجاعة والعزم الاكيد والنية الصادقة وهو محروس بهمة الشباب فتيانا وفتيات ورجالا ونساء وسيحمونه كما حموا ثورتهم الظافرة المجيدة وهو اخوهم وابوهم وصديقهم وشريكهم في نجاح اهداف الثورة .. فعليه ان يقدم بلا خوف ولا وجل وبثقة كاملة بمؤهلاته وكفاءته وإرادته القوية وهو ابن السودان البار وسيذكره التاريخ بنجاحه ومجهوده في خروج الوطن من ازمته الحالية وتكوين دولة السودان الجديد… فإما ان يكون السودان دولة المستقبل او لا يكون.