مشهد أثار حفيظة الكثيرين ..رجل مسن ينهال ضربا بسوط (العنج ) على شاب موظف مبيعات في قسم الكهرباء ….الرجل الذي كان مستاءً من قطوعات الكهرباء التي لازمت حياتنا في الفترة الاخيرة ..لم يجد الا ذلك الموظف ليعبر عن غضبه المتعاظم داخله يوماً بعد يوم .. والحقيقة المعروفة للكل ان الموظف غير قادر على حل المشكلة ..والضرب ايضا لا يحلها ..والرجل لم يستفد شيئا الا (فش الغبينة).
متلازمة ما بعد الثورة ..احد ابرز معالمها هو التوقعات العالية لانفراج الازمات المتراكمة عبر الثلاثين عاما الماضية ..هذه التوقعات عندما تصطدم بالأمر الواقع ..تكون النتيجة خيبة امل عظمي ..تظهر على شكل انفعالات ..تترجمها تلك الضربات التي انهالت على ظهر الموظف المسكين الذي جعله حظه العاثر يكون مداوما في ذلك اليوم…
يوسف الصديق عليه السلام عندما فسر رؤيا الملك عن البقرات السمان اللاتي تأكلهن سبع عجاف ..كان تفسيره ان هناك سنوات خير وبركة ستعقبها سنوات عسر وجدب ..ستاكل الاخضر واليابس ..وكان رأيه كوزير للمالية (اذ طلب ان يجعلوه على خزائن الأرض) ..كان رأيه انهم يجب عليهم تخزين الحبوب والتحضير للسنوات العجاف حتى يمكنهم الخروج بسلام الى أن ياتي عام فيه يغاث الناس ..اعتقد ان يوسف الصديق عليه السلام هو اول من وضع خطة استراتيجية لسبعة اعوام قادمة ..واستطاع ان ينفذها بحذافيرها وبها سلمت البلاد من المجاعة في ذلك الزمن…فما اكثر العبر وما أقل الاعتبار.
انعم الله علينا بالخير الوفير في سنوات البترول ..فلم يفكر احدهم ان يضع خطة للسنوات القادمة ..كان من الممكن ان يستفاد من اموال البترول في بناء محطات طاقة شمسية ..زراعة اراضي زراعية واستصلاح الصحراء ..انجاز بنى تحتية للمدن ..وبناء مطارات حديثة ..وانعاش السكك الحديد واضافة قطارات اخرى ..كان من الممكن أشياء كثيرة ..ولكن ولاة الامر في ذلك الوقت كان تفكيرهم في اتجاه آخر ..لم يكن الوطن محور اهتمامهم ..قضوا على الاخضر في ذلك الوقت ..ولم يدخروا للمستقبل شيئا ..بل اقترضوا على حسابه ..وذهبوا وتركونا نسدد الفواتير لسنوات قادمات.
السنوات العجاف اظلتنا ..التركة الثقيلة للعهد البائد ..التدمير الذي طال كل الممتلكات العامة ..والتمكين الذي طال كل المرافق الحكومية ..كان احد اهم اسباب انهيار الخدمة المدنية..شركة الكهرباء انسب نموذج له …اولا تم تقسيم الهيئة القومية للكهرباء الى اجزاء ..تماما كما تقسم الورثة ..كل ذهب الى جهة ..وكل جهة بدورها لم تدخر وسعا في الاغتناء على حساب المواطن المسكين ..وكل ما وجدوا فرصة لرفع سعر الكهرباء ..لم يترددوا في ذلك ..وكل ما وجدوا فرصة لقطعها لم يترددوا ايضا ..الدخول العظيمة من الاموال لم يفكروا في وضع خطة استراتيجة كما يوسف الصديق ..كصيانة محطات التوليد الحرارية ..المساهمة في ادخال المرافق العامة في شبكات الطاقة الشمسية ..الصيانة الدورية للسدود ..وو غير ذلك كثير …
الشعب الذي انجز ثورة بكل ذلك الجمال ..ٌقادر على الصبر الجميل حتى نخرج من عنق الزجاجة ..الرخاء لن ياتي بين يوم وليلة ..والاصلاح يحتاج زمنا طويلا لكي يكتمل ..المهم ان تكون هناك خطة استراتيجية ..فان غاب البترول ..فالذهب والمعادن موجودة ..والزراعة خيرها وفير ..والثروة الحيوانية كذلك ..الخطط الاستراتيجة والنظرة المستقبلية هي التي ستبعث فينا الطمأنينة اننا نسير فعلا هذه المرة في الطريق الصحيح ..و (لابد يوم باكر يبقى اخير).