ظللت على قناعة بأن الزملاء الذين صمدوا وبقوا بداخل الوطن أجدر وأحق بالمناصب العدلية من أمثالي الذين ظلوا مشردين خارج الوطن طوال فترة حكم الإنقاذ، والسبب في هذا المفهوم؛ لأن مهنة العدالة بالذات تستلزم في صاحبها أن يعيش ظروف التبدل التي حدثت أثناء هذه الفترة الطويلة بالمجتمع والمهنة على حد سواء.
وعن نفسي فقد جعلتني الإنقاذ اعيش الثلاثة عقود الماضية وأنا أتنقل من كنف كفيل لكفيل بين ثلاث من دول الخليج الست، ولم يبق عند أمثالي من ابناء المهنة ما نقدمه للوطن أكثر من ملاحظات ورؤى قد تخطئ وقد وتصيب، وبتنا في انتظار خروج الروح إلى بارئها بعد أن اكرمنا الله برؤية نهاية الإنقاذ.
وأبتهل لله شكراً أن أطال في عمري حتى رأيت أخي وزميلي عبدالقادر محمد أحمد رئيساً للقضاء، وكنت في غاية الحماس لتولي عبدالقادر بالذات لهذا المنصب، فهو ليس مجرد رجل قانون والسلام، فقد كان من الشجاعة ان كتب المذكرة التي قدمها وهو قاضٍ جزئي لرئيس مجلس إنقلاب الإنقاذ، وقد كان في ذلك الوقت في مطلع الثلاثينيات من عمره، وهي مذكرة من حيث المعنى والمبنى والصياغة كانت درساً لم تفهمه الإنقاذ حتى انطفأت شمعتها، كما أنها كانت درساً لرفقاء المهنة الذين طأطأووا رؤوسهم وواصلوا العمل في حياء وصمت مقابل الراتب الشهري.
تابعت مثل غيري ترشيح شخصي في منافسة على الهواء مع الأخت الدكتورة ابتسام السنهوري على منصب وزير العدل، وورد في تفاصيل ذلك أن فرصتي معها متساوية، والحق أن في ذلك ظلماً للدكتورة إبتسام، فهي من الجيل الذي صنع الثورة، ثم أنها أنثى قدرت مواثيق الثورة أن تكون لجندرها مقاعد تقارب مقاعد الرجال، وابتسام شابة مقتدرة أرى فيها مستقبل البلاد وشمسه القادمة، وقد تدربت معي وأنا قاض بمحاكم بحري وهي طالبة في الجامعة، وقد علمت وقتها أنها من النوابغ.
هذه حيثيات تنتهي بنفسها إلى النتيجة، وهي إعلان انسحابي من منافسة على منصب لم أتقدم إلى شغله، ولم يتصل بي أحد من (قحت) للتفاهم حوله، وبدوري أزكى الدكتورة ابتسام لشغل المنصب، فهي جديرة به وأسأل الله لها التوفيق والسداد.