هكذا اسدل الستار على تعيين مرشح قوى الحرية والتغيير القاضي الشجاع عبدالقادر محمد احمد رئيساً للقضاء، بعد أن تجاوزه المجلس العسكري إستجابة لإعتراض عدد من القضاة الذين ما قامت الثورة الا من أجل الخلاص منهم وبمؤازرة بعض أفراد الدولة العميقة.
هذا شرك صنعناه بأيدينا ثم وقعنا في حبائله، وكنت قد كتبت قبل وقت كاف للتنبيه للخطأ الذي وقعت فيه اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير بوضع آلية معقدة من شأنها أن تؤدي لحدوث هذا المأزق، وقد كان مكتوبي بعنوان (فزورة تعيين رئيس القضاء)، وهي بالحق فزورة يستعصي حلها، فقد إختارت اللجنة القانونية (وليس المجلس العسكري) أن تنص في الوثيقة الدستورية على أن يكون إختيار رئيس القضاء بترشيح من مجلس القضاء الأعلى وإعتماد مجلس السيادة.
تجاهلت اللجنة القانونية ما ورد في المكتوب الذي اقترحت فيه أن يكون تعيين رئيس القضاء بشكل إستثنائي تقتضيه المرحلة الانتقالية بالترشيح المباشر من قوى الحرية والتغيير كما هو الحال بالنسبة لمناصب السيادة ورئيس الوزراء.. إلخ.
ثم أن طبيعة المرحلة الانتقالية، تستوجب أن تقوم الجهة التي صنعت الثورة باختيار الأشخاص الذين يقودون المرحلة الانتقالية بشكل إستثنائي بحسب رؤيتها في مقدرته على تحقيق أهداف الثورة، ومن هنا أعطت الوثيقة نفسها الحق في تعيين أعضاء البرلمان دون أن يقول أحد أن في ذلك مساس بإستقلال السلطة التشريعية التي تقتضي الدساتير أن تكون بالانتخاب لا بالتعيين.
المعضلة التي لا علاج لها (وقد نبهت إلى ذلك بالمقال) أن مجلس القضاء الأعلى الذي سوف يقوم بترشيح رئيس القضاء فيما بعد وعقب تشكيله هو الآخر بواسطة مجلس الوزراء بحسب الوثيقة، مثل هذا المجلس يتألف من شاغلي وظائف وليس من أسماء أشخاص، ومؤدى ذلك أنه سوف يشمل رئيس قضاء علمه في الغيب، وثلاثة من قضاة المحكمة الحاليين ونقيب المحامين الحالي وعميد كلية القانون جامعة الخرطوم الحالي، إلى جانب وزيري العدل والنائب العام.
فطنت قوى الحرية والتغيير، بعد فوات الأوان، إلى هذا الخلل، وتوصلت إلى معالجته بمنحها الحق تفضلا من المجلس العسكري برفع أسماء للموافقة عليها بواسطة المجلس ليكون التعيين في منصبي القضاء والنائب العام بقرار من رئيس المجلس بموجب سلطة وضع اليد وخارج نطاق وثيقة الدستور.
وهكذا تكون اللجنة القانونية لقوى الحرية والتغيير قد أطلقت العصفور في الهواء ثم أخذت تبحث في السبيل الذي تعيده به إلى داره، ووضعت بذلك مرشح قضاء الثورة تحت رحمة المجلس العسكري الذي انتهى إلى رفض التعيين. ولا حول ولا قوة الا بالله.