بحمد الله وتوفيقه تم التوقيع على الوثيقة الدستورية
ليكتمل الاتفاق السوداني على الدخول في مرحلة سياسية ينتظر الشعب منها أن
تخرجه من دوامة الأزمات المتفاقمة في الداخل، والتخبط المربك في العلاقات الخارجية،
ويحس فيها المواطن بثمار ثورته التي مهرها بدماء أبنائه.
نعلم أن عملية الانتقال إلى الحكم الديمقراطي مواجهة بتحديات
حقيقية في ظل وجود واقع ماثل رغم هشاسته يحتاج لمزيد من اليقظة والحذر والوعي
الجماهيري لمعالجة سلبياته، وتنفيذ سياسات داخلية وخارجية جديدة تحقق السلام
الشامل العادل، والإصلاح الاقتصادي، وكفالة وحماية الحريات، وتوفير الحياة الحرة
الكريمة لكل المواطنين.
من
المؤشرات الإيجابية التي حرصت قوى الحرية والتغيير على الالتزام بها هو إصرارها على
عدم المحاصصة في الفترة الانتقالية، رغم محاولة بعض الطامعين الحصول على
المناصب أولاً.
المؤشر الإيجابي الثاني هو تمسكها بوحدتها وخطابها
السياسي المتوازن الذي جسده الدكتور الأصم في يوم الاحتفال بالتوقيع على الوثيقة
الدستورية، وحرصها على حراسة أهداف ثورة ديسمبر 2018م الشعبية .
هذا
لا يعني الزهد في المشاركة في الحراك الحزبي المنتظر الذي يحتاج لجهد أكبر لتأمينه
من الردة والانتكاس والانقلاب، وهذا يتطلب من الأحزاب السياسية الجماهيرية والاتحادات
والنقابات المهنية ومنظمات المجتمع المدني البدء فوراً في ترتيب أوضاعها التنظيمية
خلال الفترة الانتقالية استعداداً للمشاركة الفاعلة الإيجابية في عملية التداول
السلمي للسلطة ديمقراطياً.
ينبغي أن تتكاتف الجهود المشتركة بين المجلس السيادي
ومجلس الوزراء لإنجاز المهام العاجلة والملحة لتحقيق السلام الشامل العادل في كل
ربوع السودان، بعيداً عن نهج الإنقاذ الذي فشل عملياً عبر اتفاقات ثنائية وجزئية استهدفت
اقتسام السلطة والثروة بطريقة فوقية تسببت في تنامي الحركات المسلحة، وهذا يتطلب
أيضاً الإسراع بعملية تعزيز قومية القوات المسلحة عبر برنامج التسريح، وإعادة
الدمج لكل الحركات المسلحة وفق القانون والشروط المهنية.
المهمة الثانية التي لا تقل أهمية عن عملية تحقيق
السلام واسترداد الديمقراطية هي عملية الإسعاف الاقتصادي التي تتطلب تغييراً
جذرياً في السياسات الاقتصادية القديمة التي تسببت في كل الأزمات وتفاقمها، ويمكن
البدء بالعودة لنظام الاقتصاد المختلط الذي يحمي مصالح وحقوق المواطنين في الحياة
الحرة الكريمة ويحمي في نفس الوقت مصالح الرأسمالية الوطنية التي يمكن أن تسهم هي
أيضاً في بناء دولة الرعاية الاجتماعية .
اسمحوا لي بتخصيص فقرة خاصة بالحزب الاتحادي
الديمقراطي الذي أدخله قادته في شراك أحزاب التوالي في فترة الحكم السابق، بعيداً
عن قواعده ورموزه الوطنية المعارضة التي جسدها تحالف الاتحادي المعارض الذي
أسهم في تأسيس قوى الحرية والتغيير؛ كي أدفع بالجهود المبذولة لاسترداد عافيته
السياسية والديمقراطية للمشاركة الفاعلة في مرحلة التداول السلمي للسلطة ديمقراطيا
في سودان الحرية والتغيير الديمقراطي.
هذه
المهام العاجلة ضرورية لبناء وتأمين ثورة الحرية والتغيير واسترداد الديمقراطية
لحمايتها من كل أنماط الردة والانقلاب بعد أن ثبت عملياً فشل كل تجارب الحكم
الشمولي بمختلف شعاراتها والأنظمة العسكرية بكل مسمياتها.
نحمد الله من قبل ومن بعد أن جعل جماهير الشعب
السوداني بوعيها وحراكها الإيجابي الذي جسدته في كل مراحل الثورة حتى في يوم فرح
السودان بالتوقيع على الوثيقة الدستورية قادرة على مواجهة كل التحديات والمؤامرات
والمكائد والفتن والانقلابات العسكرية، وستبقى بوحدتها وصمودها صمام الأمان
الحقيقي لثورتها.