أحبتي القراء الأعزاء
بينما كنت أكتب مقالي الاسبوعي للتحرير، فإذا بالكاتب العماني الحصيف حمود السيابي يرسل لي مقاله البديع عن فرح السودان، فآثرت أن أرسل لكم لوحته الجماليه لتتأملوا دقة التصوير.. وبهاء الألوان.. والتناغم والانسجام والهارموني الذي ازدانت به اللوحة الفنية البديعة.
أحبتي الآن أترككم للقراءة والتأمل في عرس السودان بعيون عمانية.
يوم بدر المنى اكتمل
نحن “شلناك” في المقل
——————————————
حمود بن سالم السيابي
——————————————
كل الجروح يغسلها “المكروكروم” إلا جروح الحب.
وكل الطعنات الدامية ستندمل يوماً ما إلا طعنات الأوطان التي لن تتيبس، ولن يهدأ اشتعالها، وإن احتشدت لها مياه المحيطات.
وقد استشعر السودانيون فوضى الساحات المفتوحة على كافة الاحتمالات فداسوا في لحظة مسؤولة على كل الجراحات النازفة، وتسابقوا لضفاف النهر السوداني الخالد ليغسلوا وجه الوطن، ويظهروا الوشم الجميل الذي نحته الآباء والأجداد.
وبينما العالم من محرِّض للفوضى إلى نافخ للنار إلى واعد بالكثير، يرتفع صوت العقل فيعلو على كل الأصوات النشاز.
ويستعيد الضمير سودانيته فتتنادى كل الأطياف وهي تبكي بحرقة وألم لتعتذر للوطن الجميل بأمسه وترابه ونخيله وخيوله وسباعه ، ولتجدد بيعة صادقة للسودان كما تمنّوه.
لقد خرج السودانيون على الوطن ذات ليلة طويلة سوداء حبَّاً فيه، وبعد أن أشرق الفجر من ثنيات التقاء النيلين شاهدوا كل الندوب التي خلفها الظلام الحالك فكانت لديهم الشجاعة لترك الساحات والعودة الماجدة إليه.
وكانوا كباراً حين خرجوا على الوطن حبَّاً فيه، وبعد أن أنضجتهم المحن والشدائد كبروا أكثر فعادوا إليه عشاقاً ليقبِّلوا جبينه.
وفي لحظة سودانية جميلة تنادوا تحت شجرة “دوم” باسقة ليكتبوا بماء النيلين الأبيض والأزرق أغنية للوطن ترددها الأجيال في مدن العاصمة المثلثة.
وينشدها حداة الإبل في “كسلا”.
ويتسامر بها الصيادون مع ليلهم وهم يمدون الشباك بامتداد النيل، أويطلقونها مع صفير الريح وهي تهدهد السافانا.
لقد فوَّت السودانيون الفرصة لعشاق التجزئة في أن يوغلوا في تجزئة أكبر للسودان، فجاء الصادق المهدي من إرث بيته السياسي لينشد أبياتاً لعيني السودان.
ووقف ابن الساحات المشتعلة لينفخ في الأهداب أنفاسه ليتطاير كل الغبار من عيني الوطن.
وجاء العسكر ببزاتهم المرصعة بأنجم سماء السودان ليأتمروا بتكليفات الوطن.
وجاءت أفريقيا السوداء الموبوءة بالفوضى والتقاتل والانقلابات لتشهد ولادة صفحة عربية أفريقية بيضاء.
وكان النميريون والبشيريون والترابيون في المشهد ، كما كانت ترفرف أرواح الطيب صالح والفيتوري وسيد خليفة وكل الحناجر المنسابة مع البيانو السوداني.
ولم يغب عن المناسبة زئير الأسود ولا ابتعدت الزرافات الطويلة الأعناق بل كل المفردات السودانية المخضبة بالحنَّاء تحلقت حول طبق “كسرة” في يوم عيد.
وجاء كل الصادقين في حب السودان ليشهدوا الوطن القادم من آلاف الأعوام وهو ما زال ينجب العشاق.
وبينما السودان يكتب وثيقة عهده مع المستقبل كان شبابه يتماوج مع رائعة الشاعر (أبو آمنة حامد) بصوت ابن البادية:
”لقد سال من شعرها الذهب
فتدلى وما انسكب.
كلما عبثت به
نسمة ماج واضطرب
النجيمات والخصل
فى عناق وفى غزل
نسجت حوله القبل
موكبا يغزل الطرب
فيه من سمرة الأصيل
شعرها المذهب النبيل”
ويستمر فرح السودان المتدافع مع نيله من “فكتوريا” وحتى فيضانه لتوأمه مصر.
ولا يكتمل الفرح إلا عند آخر ضغط لمفتاح البيانو :
“يوم بدر المنى اكتمل
نحن شلناك في المقل
وقعدنا على اللهب”
—————————————
للكاتب العماني الشقيق الأستاذ حمود بن سالم السيابي الشكر الجزيل والتعليق لكم أحبتي
ولكم شكري وتقديري
آسيا المدني
مسقط
سلطنة عمان
19 أغسطس 2019م