* بينما تغرق البلاد ويموت الناس وتكتسح السيول كل شيء في طريقها، وتنطلق نداءات الإغاثة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لإنقاذ الغرقى وانتشالهم من تحت السيول والانقاض، لا تزال التلفزيونات والأجهزة الإعلامية التي يجب أن تكون اول من يطرق بشدة على هذه الكارثة الإنسانية الوخيمة، ويبادر بتنوير الرأي العام ولفت نظر المسؤولين وحث المواطنين والجمعيات والمؤسسات على المساهمة وتقديم العون والمساعدة، سادرة في غيها وضلالها القديم تسرح وتمرح بين الرقص والغناء وبرامج التجميل وكريمات التفتيح والاكلات السورية والمصرية والتركية، ولا يجد اصحاب اللحى المزيفة من كل تعاليم الدين الحنيف ما يسهمون به في تخفيف هذه الاجواء الكارثية سوى الحديث عن الخلافات الزوجية وحكم الزوج الذى يقسم بألا يتكلم مع زوجته لمدة عام ويحنث بقسمه!!
* بل إن قناة (أم درمان) لم تتورع عن بث برنامج قديم يتحدث فيه الضيف عن ذكرياته في المدرسة مع (سعادة الفريق امن صلاح قوش) وعدد من زبانية النظام المخلوع الذين دمروا الوطن و قتلوا الشعب واهانوه، وعندما يتكرم تلفزيون السودان بنقل مشاهد السيول والأمطار فإنه لا يجد إلا اللقطات المصورة لـ(حميدتى) وهو يزور بعض المناطق المتأثرة ليبرزها على الشاشة بنفس الطريقة والعقلية التي كان يؤله بها المخلوع!!
* تحدثتُ وتحدث غيرى عن الاستهتار الكبير للأجهزة الاعلامية خاصة التلفزيونات في التعامل مع الثورة المجيدة للشعب السوداني التي مهرها بالدم وقدم اغلى التضحيات لتحرير البلاد من نظام القتل والدمار والفساد والمذلة والهوان، وتأسيس دولة مدنية ديمقراطية تقوم على مبادئ الحرية والسلام والعدالة يكون فيها الجميع سواسية امام القانون، تعيد بناء السودان وتحقق النماء وتكفل الحياة الكريمة للمواطنين، عسى ولعل أن ينتبه الذين يديرونها الى سوء وخطل ما يفعلونه، ويغيرون من سلوكهم الشائن وتصرفاتهم المعيبة، ولكنهم مدوا ألسنتهم ساخرين من الجميع، وظلوا في استخفافهم واستهتارهم بنا وكأنهم ينتمون لشعب آخر يناصبنا العداء.
* بل ازدادوا سوءا وضلالا بتسفيه الثورة والاستهانة بأرواح الشهداء والدماء الطاهرة التي سالت، وانتاج وبث البرامج التي تقدح في شرف الثوار والثائرات وتهين كرامة الشعب مثل (خفافيش الظلام) وغيرها .. وحتى عندما حدث التآلف وتواثق الناس على نظام الحكم خلال الفترة الانتقالية، لم يجد منهم هذا الحدث الأكثر أهمية في تاريخ السودان الحديث إلا التجاهل والازدراء وظلوا يتعاملون معه بسلبية بعداء وسلبية رغم ملكية الاجهزة التي يديرونها للشعب، أُسست من ماله ويُنفق عليها من دم قلبه رغم الظروف القاسية التي يعيشها، ولعلها فرصة للقول بأن تكلفة الاشتراك في القمر الصناعي تبلغ بين 200 ألف الى 300 ألف دولار في العام الواحد، أي حوالى 18 مليار جنيه سوداني (قديم)، كما أن كل (كل) هذه القنوات حكومية خالصة، ولكن بيع بعضها لأشخاص في ظروف غامضة، ومُنحت اخرى حق بث المواد المملوكة للدولة بدون وجه حق!!
* من أهم أولويات حكومة الثورة وأجهزتها، تطهير الاجهزة الاعلامية والصحف من خفافيش النظام البائد، ومراجعة كل كبيرة وصغيرة فيها، واستعادة حقوق الشعب، ووضعها في الطريق المهني الصحيح للتعبير عن همومه وقضاياه وتطلعاته، والتوقف عن تشويه وطمس هويته بسخافاتها ومهازلها ووجوهها المصطنعة، والامتناع عن مداهنة ومنافقة وتأليه الحكام والتسبيح بحمدهم صباح مساء!!