أ. عائشة موسى ..سيدة المجلس السيادي.
قرأت اسمها مرشحة للمجلس، قفز قلبي، وعمّتني السكينة، لم أكن متأكداً فقد ذكروا اسمها الثنائي، صحت، ياسلام، يا سلام : كوني عايشة موسى السعيد.. فكانت، وحلّقت حمامات المحبّة.
سيحكي الناس عن تاريخها الناصع، ومهنيتها العالية، عن فضلها معلّمة ومربيّة، ومدافعة عن الحق، وزولة قدامية، وست حوبات.
و سأحكي..عنها ما لا يعلمه غيري..وأهلي.
لمن يعرفوني شخصياً، في العام 2010، سكن الحزن بيتنا وبقي طويلاً ، كنت مهموماً بعلاج أختيّ المرحومتين حنان ومنى، زهرات بيتنا اليانعات حينها – ولا زلن- ، كنت أركض في كل الجهات أعافر عجزنا البشري وقلة حيلتنا وهواننا على حكومة راجل وداد أب ظرِف، كان مبلغ علاج الحالتين كبيراً وغير متاح، نصحني الناصحون وعموم الأصدقاء بالبحث عن جهة ما تنفع، والنافع الله، ماتركنا منظمة أو بنك أو شركة، أو مكتب مسؤول ما طرقناه، لا أحد.
لاح ضوء بنواحي UK، طُلب منّي شرح للحالتين مكتوب بصيغة معيّنة، تتجنب اللغة الطبية العضُم، بحيث يتم تقديمها لجهات هناك، قلت فليمنحني الله من يحل المعضلة، مترجم محترف يعفيني من الحرج، دقشت نواحي السايبر صباحاً وكتبت بموقع س. أونلاين _المنبر العام وصفاً للحالتين والمطلوب، وختيت رقم تلفوني، عسى أن يفتح الله عليّ بأحدهم.
مساءً رن هاتفي، وسمعت من على الطرف الآخر ( ازيك يا ولدي،انت ما بتعرفني، أنا خالتك عائشة موسى السعيد، أستاذة في الترجمة، قريت موضوعك في النت وعايزاك تصلني)،طايبتني كما ينبغي لأم، وحاننتني كما لو أنها خالتي، وشملتني بدعاء رقّد قلبي ووصفت لي بيتها بنواحي الحلفايا.
قدت سيارتي وذهبت إليها، لا زلت أشم رائحة ترحابها، ودفء حديثها، شربت الكركدي من يدها، حدثتني حديث العارفين عن الهم ومداواته، وعن الابتلاء ومواجهته، طيبت خاطري، وغمرتنا بالدعوات صادقة وصافية، حدثتني عن نفسها بجلال وعن زوجها الراحل د. محمد عبدالحي بمحبّة، وعن أبنائها بحنان، أذكر منهم د. شيراز ووضاح، جلست بحضرتها ساعة بعُمر من المودّة، ودهر من الامتنان، أخذت الأوراق، وبعد يومين أرسلت لي على الإيميل ما أريد وأكثر، قرأت ماكتبت فدمعت عيني، هذه ليست ترجمة لحالات مرضية، بل روح وانسكبت على الورق.
بعد أيّام هاتفتني، تسألني عن أحوال البنات، وطلبت مني أن آتي لآخذها لتزور بيتنا، جئتها وذهبت معي إلى الكدرو، طايبت المرحومة أمي وقالدتها كأنها أختها الغائبة، قالدت أخواتي ومازحتهن وضاحكتهن حتى أشرق وجهيهما، من يومها وهي لا تكف عن السؤال، ولا أكف عن التعجب، من أي طينة خلقت، ومن أي عالم جاءت؟
صارت خالتي عايشة ركنا من أركان بيتنا، كل يوم في سيرتها، يغمرنا لطفها واهتمامها ومحنّتها.
حين أجريت للمرحومة حنان عمليّة طارئة أيامها، اتصلت بها وأخبرتها، فلامتني على تأخري في إخطارها، وأمرتني أن أمر عليها لتزورها في البيت، طلبت مني التوقف عند دكان الحي، نزلت وتناولت شيئاً، قلت ليها يا خالة ما في داعي، وليتني ما قلت، انتهرتني بحسم، وقالت لي: “يا ولدي، ليك ولزمانك ما تدخل بيت كرامة وإيدك فاضية”.
لازمتنا حتى أخد الله الأمانة، وانتقلت عنده حنان، ثم منى، ولا زالت أمي – حتى رحيلها المر – تذكرها بخير ويبرق الدمع بعينيها كلما ذكرت بنتيها، وذكرت لطف عائشة وحِنّها ووقفتها المشهودة وهي التي ما التقتها من قبل أن تزور بيتنا.
هذا بعض من سيرة خالتي عائشة، عضو مجلس السيادة، لا أعرف إن كانت تذكرني حتى، ولست حريصاً أن تقرأ كلامي عنها فأقصم ظهرها، لكن وعلى ما تعرفون وستعرفون، تذكروا أن من يلي أمرنا فيهم عائشة موسى السعيد، امرأة تمشي في خدمة الناس حافية، فيا بُشرانا .